من ثقافتهم وأفكارهم في روع من يعوذ بهم ، لأنّ علمهم محدود إذ يجهلون الكثير من الأمور .. وواضح تأكيد القرآن على أنّ كثيرا من تصوّراتهم وثقافاتهم قائمة على الظن لا على العلم الواقعي القاطع (يلاحظ تكرار كلمة «ظننا» بلسان حال الجن مرّات عديدة) ، كما أنّهم لا يدرون بمصير من في الأرض أريد بهم شرا أم أراد بهم ربّهم رشدا. وحيث جاء القرآن كشف لهم عن مدى ضلالتهم وجهلهم بجملة من أهمّ الأمور وأوضحها .. أعني الإيمان بالله وتوحيده.
ثانيا : وأنّهم ليسوا قوى ذات قدرات خارقة حتى يخشى منهم البشر أو يعوذون بهم طمعا في نيل القدرة ، ودليل ذلك اعترافهم أنفسهم بعجزهم عن اختراق الحجب واستراق السمع من الملأ الأعلى ، وعجزهم عن مقاومة إرادة الله ، أو حتى الهرب من حكومته وسلطانه.
وحيث تتمحور السورة حول الحديث عن الجن الذين أشرك بهم ولا يزال بعض الإنس تؤكّد الآيات الأخيرة على حقيقة التوحيد ، وأنّه تعالى الذي يملك الضرر والرشد ، وهو أهل الاستعاذة به ، وعالم الغيب لا يشاطره أحد فيه إلّا من ارتضى من رسله .. مما يعطي الشرعية لخطّ الأنبياء فقط ، أمّا الجن ومن يتصل بهم ـ سواء كانوا كهنة وسحرة ومنجّمين ـ فلا يجوز إتباعهم أبدا.