فبلغه عن نقاش ماهر في النقش والتصوير في بلاد الروم فأرسل إليه وأشخصه وأمره بعمل شيء مما يقدر عليه من النقش والتصوير مثالا يعلقه بباب القصر على العادة فنقش له في رقعة صورة سنبلة (٢٢٦) حنطة خضراء قائمة وعليها عصفور ، وأتقن نقشه وهيئته حتى إذا نظره أحد لا يشك في أنه عصفور على سنبلة خضراء ولا ينكر شيئا من ذلك غير النطق والحركة. فأعجب الملك ذلك وأمر بتعليقة وبإدرار الرزق عليه إلى انقضاء مدة التعليق فمضت سنة إلا بعض أيام ولم يقدر أحد على إظهار عيب ولا خلل فيه ، فحضر شيخ مسن ونظر إلى المثال وقال : هذا مختل وفيه عيب. فأحضر الملك وأحضر النقاش والمثال ، وقال : ما الذي فيه من الخلل والعيب؟ فاخرج عما وقعت فيه بوجه ظاهر ودليل وإلا حل بك الندم وما لا خير فيه. فقال الشيخ : أسعد الله الملك وألهمه السداد ، مثال أي شيء هذا الموضع؟ فقال الملك : مثال سنبلة من حنطة قائمة على ساقها وفوقها عصفور. فقال الشيخ : أصلح الله الملك : أما العصفور فليس به خلل ، وإنما الخلل في وضع السنبلة. فقال الملك : وما الخلل؟ وقد امتزج غضبا على الشيخ. فقال : الخلل في استقامة السنبلة لأن من العرف أن العصفور إذا حط على سنبلة أمالها لثقل العصفور وضعف ساق السنبلة ، ولو كانت السنبلة معوجة مائلة لكان ذلك نهاية في الوضع والحكمة. فوافق الملك على ذلك وسلم.
وأهل الصين قصار القدود (٢٢٧) عظام الرؤوس ، ومذاهبهم مختلفة ؛ فمنهم أهل أوثان ، وأهل نيران ، وعباد حيات وغير ذلك. وأشرف ما يتحلون به قرون الكركند ، لأنها إذا بشرت ظهرت منها صور مدهشة عجيبة كاملة النقش
__________________
(٢٢٦) السنبلة : جزء النبات الذى يتكون فيه الحب وأحد بروج السماء الاثنى عشر ويسمى العذراء والسنابل : رمز الخير والخصب (اللسان ٣ / ٢١١١).
(٢٢٧) القدود جمع قد أي الجسم.