وعندهم معدن الذهب ودينهم النصرانية ، وملكهم ملك جليل كثير الجنود ، وهم فرقتان فرقة يقال لها علوة ومدينتهم العظمى ويلولة وهي مدينة عظيمة وبها من السودان أمم لا تحصى ، والفرقة الأخرى يقال لها النوبة ومدينتهم العظمى دنقلة وهي مثل ويلولة على ضفة النيل من غربيه ، وأهلها أحسن السودان وجوها وأعدلهم شكلا وفي بلادهم الفيلة والزرافات والقرود والغزلان.
ومن مدن النوبة المشهورة نوابية ويقال لها نوبة. وهي مدينة وسط وبينها وبين النيل أربعة أيام ، وشرب أهلها من الآبار. وفي نساء هذه المدينة الجمال الفائق والحسن الكامل. ولهم حسن النطق وحلاوة اللفظ وطيب النعمة وليس في سائر السودان من شعورهم مسبلة غيرهم وبعض الهنود وبعض الحبوش لا غير. وقيمة الجارية الحسناء منهن ثلثمائة دينار وما فوقها.
وحكي أنه كان عند الوزير أبي الحسن المروف بالمصحفي جارية منهن لم ير أكمل منها قدرا ولا أحسن خلقا ولا أملح شكلا ولا أنعم جسما ولا أحلى منطقا ولا أتم محاسن ، وكانت إذا تكلمت سحرت الألباب بمنطقها وحلاوة ألفاظها فاشتراها الصاحب بن عباد (٢٣٤) منه بأربعمائة دينار وأحبها حبا عظيما ومدحها في
__________________
(٢٣٤) ولد إسماعيل بن عباد في" اصطخر" في (١٦ من ذي القعدة ٣٢٦ ه ـ ١٤ من أكتوبر ٩٣٨ م) ، وكان أبوه كاتبا ماهرا ، ولي الوزارة لركن الدولة البويهي ، وقبل أن يكون وزيرا كان من أهل العلم والفضل ، سمع من علماء بغداد وأصفهان والري ، وروى عنه جماعة من العلماء ، وعني بتربية ابنه ، وتعهده بالتعليم والتثقيف ؛ حتى يكون كاتبا مثله ، يتصل ببلاط الملوك ، ويخلفه في الوزارة. ، ولم يكن الصاحب كاتبا موهوبا ووزيرا قديرا فحسب ، وإنما جمع إلى ذلك مشاركة في علوم كثيرة ؛ فله معرفة ورواية في الحديث النبوي ؛ إذ سمع الحديث من أعلامه في العراق والري وأصبهان ، وترجم له الحافظ الكبير أبو نعيم الأصبهاني في كتابه" ذكر أخبار أصبهان" ، باعتباره محدثا لا رجل دولة ، وذكر في أخباره أنه كان يناظر ويدرس ويملي الحديث ، وتوفي الصاحب بن عباد ليلة الجمعة في (٢٤ من صفر ٣٨٥ ه ـ ٣٠ من