برفع البلاد التي على ساحل البحر الشامي ونقلها من الحضيض إلى الأعلى ، ثم أمر أن تحفر الأرض بين طنجة وبلاد الأندلس فحفرت حتى ظهرت الجبال السفلية وبنى عليها رصيفا بالحجر والجير بناء محكما وجعل طوله اثني عشر ميلا ، وهي المسافة التي كانت بين البحرين ، وبنى رصيفا آخر يقابله من ناحية طنجة وجعل بين الرصيفين ستة أميال. فلما أكمل الرصيفين حفر لها من جهة البحر الأعظم وأطلق فم الماء بين الرصيفين ودخل في البحر الشامي. ثم فاض ماؤه فأغرق مدنا كثيرة وأهلك أمما عظيمة كانت على الشاطئين ، وطغى الماء على الرصيفين إحدى عشرة قامة. فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في بعض الأوقات إذا نقص الماء ظهورا بينا مستقيما على خط واحد ، وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة ، وأما الرصيف الذي من جهة طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض اثني عشر ميلا ، وعلى طرفه من جهة الشرق الجزيرة الخضراء ، وعلى طرفه من جهة الغرب جزيرة طريف. وتقابل الجزيرة الخضراء في بر العدوة سبتة ، وبين سبتة والجزيرة الخضراء عرض البحر.
والأندلس به جزائر عظيمة كالخضراء ، وجزيرة قادس (٩٢) ، وجزيرة طريف ، وكلها عامرة مسكونة آهلة.
__________________
(٩٢) قادس : جزيرة بالأندلس عند طالقة من مدن إشبيلية ، وطول جزيرة قادس من القبلة إلى الجوف اثنا عشر ميلا ، وعرضها في أوسع المواضع ميل ، وبها مزارع كثيرة الريع ، وأكثر مواشيها المعز ، فإذا رعت معزهم خروب ذلك المكان عند عقدها ، واسكر لبنها ، وليس يكون ذلك في ألبان الضان. وقال صاحب الفلاحة النبطية : بجزيرة قادس نبات رتم إذا رعته المعز أسكر لبنها إسكارا عظيما ؛ وأهلها يحققون هذه الخاصية. وفي طرف الجزيرة الثاني حصن خرب أولى ، بين الآثار ، وبه الكنيسة المعروفة بشنت بيطر (سان بيتر) ، وشجر المثنان كثير بهذه الجزيرة ، وبها آثار للأول كثيرة. ومن أعجب الآثار بها الصنم المنسوب إلى هذه الجزيرة ، بناه أركليش ، وهو هرقليس ، أصله من الروم الإغريقيين ، وكان من قواد الروم وكبرائهم.