من صعيد مصر أتاه رجل آخر وأعلمه أنه يعرف مدينة في أرض الواحات بها كنوز عظيمة. فتزودا وخرجا ، فسافرا في الرمل ثلاثة أيام ثم أشرفا على مدينة عظيمة بها أنهار وأشجار وأثمار وأطيار ودور وقصور ، وبها نهر محيط بغالبها وعلى ضفة النهر شجرة عظيمة ، فأخذ الرجل الثاني من ورق الشجرة ولفها على رجليه وساقيه بخيوط كانت معه وفعل برفيقه كذلك ، وخاضا النهر فلم يتعد الماء الورق ولم يجاوزه ، فصعدا إلى المدينة فوجدا من الذهب وغيره ما لا يكيف ولا يوصف ، فأخذا منه ما أطاقا حمله ورجعا بسلامة وتفرقا ؛ فدخل الرجل الصعيدي إلى بعض ولاة الصعيد وعرفه بالقصة وأراه من عين الذهب ، فوجه معه جماعة وزودهم زادا يكفيهم مدة ، فجعلوا يطوفون في تلك الصحارى ولا يجدون لذلك أثرا ، وطال الأمر عليهم فسئموا ورجعوا بخيبة. وأما أرض برقة فكانت في قديم الزمان مدنا عظيمة عامرة ، وهي الآن خراب ليس بها إلا القليل من الناس والعمارة ، وبها يزرع من الزعفران شيء كثير.
وأما الإسكندرية (١٣٠) فهي آخر مدن الغرب ، وهي على ضفة البحر الشامي وبها الآبار العجيبة والروم الهائلة التي تشهد لبانيها بالملك والقدرة والحكمة. وهي حصينة الأسوار عامرة الديار كثيرة الأشجار غزيرة الثمار ؛ وبها الرمان والرطب والفاكهة والعنب ، وهي من الكثرة في الغاية ، ومن الرخص في النهاية. وبها يعمل من الثياب الفاخرة كل عجيب ، ومن الأعمال الباهرة كل غريب ، ليس في معمور
__________________
(١٣٠) الإسكندرية : أسسها الإسكندر الأكبر ٣٣٣ ق. م ، فغدت مركزا للثقافة العالمية. اشتهرت عبر التاريخ بمكتبة الإسكندرية الغنية التي أثرت الثقافة الأنسانية وأشتهرت أيضا بمدرستها اللاهوتية والفلسفية. وحديثا ، بني في الإسكندرية مكتبة الإسكندرية الجديدة في عام ٢٠٠١ م. مثل القاهرة فالإسكندرية محافظة مدينة ، أي أنها محافظة تشغل كامل مساحتها مدينة واحدة ، وفي نفس الوقت مدينة كبيرة تشكل محافظة بذاتها.