وبدمشق الجامع المعروف ببني أمية الذي لم يكن على وجه الأرض مثله ، بناه الوليد بن عبد الملك وأنفق عليه أموالا عظيمة ، قيل : إن جملة ما أنفق عليه أربعمائة صندوق من ذهب ، وكل صندوق أربعة عشر ألف دينار. واجتمع في ترخيمه اثنا عشر ألف مرخم. وقد بني بأنواع الفصوص المحكمة والمرمر المصقول والجزع المكحول. ويقال إن العمودين اللذين تحت قبة النسر اشتراهما الوليد بألف وخمسمائة دينار ، وهما عمودان مجزعان بحمرة لم ير مثلهما. ويقال إن غالب رخام الجامع كان معجونا ، ولهذا إذا وضع على النار ذاب. وفي وسط المحيط الفاصل بين الحرم والصحن عمودان صغيران يقال إنهما كانا في عرش بلقيس. ومنارة الجامع الشرقية يقال : إن المسيح ينزل عليها ، وعندها حجر يقال إنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بعصاه فانبجست منه اثنتا عشرة عينا. قال بعض السلف الصالح : مكثت أربعين سنة ما فاتتني صلاة من الخمس بهذا الجامع وما دخلته قط إلا وقعت عيني على شيء لم أكن رأيته قبل ذلك من صناعة ونقش وحكمة
ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج ، طوله اثنا عشر ميلا في عرض ثلاثة أميال ، مفروش بأجناس الثمار البديعة المنظر والمخبر ، ويشقه خمسة أنهار. ومياه الغوطة كلها تخرج من نهر الزبداني وعين الفيجة ، وهي عين تخرج من أعلى جبل وتنصب إلى أسفل بصوت هائل ودوي عظيم ، فإذا قرب إلى المدينة تفرق أنهارا وهي بردى ويزيد وتورة وقناة المزة وقنوات الصوف وقنوات بانياس وعقربا. واستعمال هذا النهر للشرب قليل لأن عليه مصب أوساخ المدينة. وهذا النهر يشق المدينة وعليه قنطرة. وكل هذه الأنهار يخرج منها سواق تخترق المدينة فتجري في شوارعها وأسواقها وأزقتها وحماماتها ودورها وتخرج إلى بساتينها.