تستطع قواهم أن تسيطر عليها سيطرة كاملة خاصة وأن انتقال مركز الدولة من دمشق إلى بغداد زاد من مسئوليتها الآسيوية ، وفرض عليها مطالب جديدة لم تكن تشغل بال الأمويين بالصورة التى كانت عليها أيام العباسيين.
ونتيجة لذلك نجد أن العباسيين ركزوا جهدهم كله فى المحافظة على ذلك الجزء الذى كان لدولتهم بصورة فعلية من إفريقية.
أما ما وقع غربى نهر شلف أى بيد المغربين الأوسط والأقصى فليس لدينا ما يدل على أن العباسيين كان لهم قيد من سلطان أو حتى حاولوا أن يبسطوا عليه سلطانهم ، وهذا هو الذى جعل عبد الرحمن بن رستم (١) بعد هزيمة الخوارج الإباضية ومقتل أبى الخطاب عبد الأعلى بن السمح بن مالك المعافرى سنة ١٤٤ ه يفر إلى غرب نهر شلف ويحاول إنشاء دولة خارجية إباضية فى بلاد كانت خارج سلطان العباسيين وبذلك يأمن على دولته من جيوشهم.
ولم تتمكن الحكومة المركزية العباسية من أن تسيطر على ولاية إفريقية بسبب عدم الاستقرار فيها نتيجة للصراع الداخلى الذى شغل الخلافة العباسية ، ولم يترك لها من الفراغ ما يمكنها من محاولة بسط سلطانها على بقية بلاد المغرب.
ولما عزل محمد بن الأشعث الخزاعى ، أسند أبو جعفر المنصور ولاية إفريقية لزعيم من زعماء العرب وهو الأغلب بن سالم بن عقال التميمى (٢) وكان من كبار جند مصر ، فسار
__________________
(١) هو عبد الرحمن بن رستم بن بهرام الفارسى ، وكان بهرام جده من موالى عثمان بن عفان ، وقد ذكر بعض الكتاب أن نسبه يرجع إلى ملوك الفرس القدماء ، تربى عبد الرحمن بن رستم فى القيروان وأخذ العلم عن فقهائها ومال إلى تعاليم الخوارج حيث تأثر بسلامة بن سعيد الذى كان يدعوا إلى مذهب الخوارج الإباضية. انظر فى ترجمته : الدرجينى : طبقات مشايخ إفريقية ج ١ ـ ١٩ ، وابن خلدون العبر من ديوان المبتدأ والخبر ج ٦ ـ ١٢١ ، والبكرى : المغرب فى ذكر بلاد إفريقية والمغرب ٦٧.
(٢) ذكر البلاذرى أن أصله يرجع إلى مرو الروذ بمعنى أنه كان من الجند العربى الخراسانى أى من أصحاب أبى مسلم الخراسانى ، وفد مع القوات العباسية إلى مصر وأصبح من جندها ، عرف الأغلب بالشجاعة والبلاء وحسن الرأى ، ولقب بلقب الشهيد.
انظر ترجمته فى السلاوى : الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ج ١ ـ ٥٧ ، والبلاذرى : أنساب ـ ـ الأشراف ٣٥٠ ، ود. السيد عبد العزيز سالم : المرجع السابق ٢٦١.