بسم الله الرحمن الرحيم
ولاية عقبة بن نافع (١) ـ رحمه الله
رحّل عقبة من الشام ، ولما مر على مسلمة (٢) بمصر اعتذر إليه من فعل أبى المهاجر (٣) ، وأقسم بالله : لقد خالف رأيه فيما صنع ، وأنه وصّاه به ، وأمره بتقوى الله وحسن السيرة ، وأن يعزل عقبة أحسن عزل ، فإن أهل بلده يحسنون القول فيه ، فخالفنى وأساء عزلك ، فقبل منه عقبة ، ومضى سريعا لحنقه على أبى المهاجر ، حتى قدم إفريقية ، فأوثق أبا المهاجر فى الحديد ، وأمر بخراب مدينته ، وردّ الناس إلى القيروان (٤) ، وركب فى وجوه العساكر من التّابعين والعبّاد ، فدار بهم حول مدينة القيروان وهو يدعو لها ويقول : «يا رب املأها فقها وعلما ، واعمزها بالمطيعين والعابدين ، واجعلها عزّا لدينك ، وذلّا لمن كفر بك ، وأعز بها الإسلام ، وامنعها من جبابرة الأرض».
(ثم عزم) عقبة على الغزو فى سبيل الله ، وترك بها جندا من المسلمين ، واستخلف عليهم زهير بن قيس (٥) ، ودعا أولاده فقال لهم : «إنى بعت نفسى من الله عزّ وجلّ أن
__________________
(١) وهو ابن خالة عمرو بن العاص ، ولد فى أوائل الهجرة النبوية فاعتبر لذلك صحابى المولد ، وتولى إمارة جيش إفريقية مرتين ، المرة الأولى من سنة ٥٠ ه ـ سنة ٥٥ ه / ٦٧٠ م ـ ٦٧٤ م. والمرة الثانية من ٦٠ ه ـ ٦٤ ه / ٦٨٠ م ـ ٦٨٤ م. وذلك فى عهد معاوية بن أبى سفيان وولده يزيد.
(٢) كان والى مصر فى أنذاك الوقت.
(٣) هو أبو المهاجر دينار ، تولى إمارة جيش إفريقية فى الفترة التى بين ولايتى عقبة الأولى والثانية أى من سنة ٥٥ ه ـ ٦٠ ه / ٦٧٤ ـ ٦٨٠ على عهد معاوية.
(٤) قال الأزهرى : القيروان معرب وهو بالفارسية كاروان ، وقد تكلمت به العرب قديما وهى مدينة عظيمة بإفريقية غبرت دهرا وليس بالغرب مدينة أجلّ منها إلى أن قدمت العرب إفريقية وأخربت البلاد فانتقل أهلها عنها فليس بها اليوم صعلوك ، يطمع فيه وهى مدينة مصرت فى الإسلام فى أيام معاوية
انظر التفاصيل فى : معجم البلدان لياقوت الحموى
(٥) هو زهير بن قيس البلوى ، وهو الذى استعاد إفريقية من يد كسيلة بعد أن هزمه وقتله سنة ٦٩ ه فقضى بذلك على قوة البربر البرانس ، وقد استشهد زهير فى إحدى المعارك الساحلية مع البيزنطيين بنواحى برقة.