فانهزم القوم ، وقتل فيها أكبر فرسان البربر ، فذهب عزهم من الزّاب ، وذلوا آخر الدهر ، فكره أن يقيم عليها ، فرحل حتى نزل على المغرب بتيهرت ، فلما بلغ الروم خبره ، استعانوا بالبربر ، فأعانوهم ونصروهم ، فقام عقبة خطيبا على سيفه ، فقال : «يا معشر المسلمين ، إنّ خياركم وأشرافكم السابقون منكم [الذين] رضى الله عنهم ، بايعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله يوم القيامة فبيعوا أنفسكم من رب العالمين ، فإنكم داخلون فى تلك البيعة لكم وعليكم ما عليهم ، وأنتم ما وطئتم هذه البلاد إلّا طلبا لرضاه وغضبا أن يعبد شىء سواه ، فأبشروا فكلّما كثر [بشركم] كان أخزى لهم وأعز لدينكم وربّكم ليس يسلمكم ، فألقوه بقلوب صادقة ، جعلكم الله أولى بأسه الذى لا يردّ عن القوم المجرمين.
فالتحم القتال ، وصبر المسلمون ، ولم يكن للروم والبربر بقتالهم من طاقة ، فولّوا هاربين ، فقتلهم قتلا ذريعا ، وفر جميع الروم عن المدينة ، وقتلوا حيث أدركوا ، وغنم المسلمون.
ثم رحل حتى دخل طنجة (١) ، فلقيه رجل من الروم يقال له «البيان» وكان شريفا فى قومه ، فأهدى إليه هدية حسنة ، فلاطفه فنزل على حكمه ، فسأله عن بحر الأندلس ، فقال له : «إنه محفوظ لا يرام» «دلنى على حال البربر والروم» فقال له : «قد تركت الروم خلفك ، وما قدّامك إلّا البربر وفرسانهم» قال له : «وأين موضعهم؟» قال : «فى السّوس الأدنى ، وهم قوم ليس لهم دين ولم يدخلوا النصرّانية ، يأكلون الميتة ، ويشربون الدم من أنعامهم وهم أمثال البهائم ، يكفرون بالله عز وجل ولا يعرفونه» (٢) فقال عقبة ابن نافع لجنوده : «ارحلوا على بركة الله».
فرحل من طنجة إلى السوس الأدنى وهو فى مغرب مدينة طنجة التى تسمى
__________________
(١) بلد على ساحل المغرب مقابل الجزيرة الخضراء وهو البر الأعظم وبلاد البربر. قال ابن حوقل : طنجة مدينة أزلية آثارها ظاهرة بناؤها بالحجارة قائمة على البحر.
(٢) إضافة من العبر من ديوان المبتدأ ـ والخبر.