يعظمون غلاما حدثا منهم ، يقال له «أليان» ، فقال له طارق : «ما جاء بك؟» فقال «أنا ابن ملك الأندلس وليس بينك وبينها إلا هذا ... إلى جبالها يريه إياها. قال له طارق : «ما جاء بك؟» ، قال له : «إنّ أبى مات ووثب على مملكتنا بطريق يقال له «لذريق» ، وبلغنى أمركم وجئت إليكم أدعوكم إليها ، وأكون دليلكم عليها»
ومع طارق اثنى عشر ألفا من البربر ، فعزم طارق على غزو الأندلس واستنفر البربر فجعل أليان يحمل البربر فى مراكب التجّار التى تختلف إلى الأندلس ، ولا يشعر بهم أهل الأندلس ، ولا يظنون إلا أنها تختلف بمثل ما كانت تختلف به من منافعهم ومعايشهم ومتاجرهم ، فجعل ينقلهم فوجا فوجا إلى ساحل الأندلس ، وقد تقدم أليان إلى أصحاب المراكب أن لا يعلموا بهم ، وقال لقومه : «إنى توثّقت لكم ، فاعلموا أنها دولة العرب ، وهم يملكون الأندلس» ، ودعاهم إلى أن يأخذوا نصيبهم منها ، فأعجبهم ذلك ورغبوا فيه ، وكتب لهم طارق بالأمان على أنفسهم ، وذراريهم وأموالهم فلما لم يبق لهم إلّا لوح واحد ركب طارق ، ومن بقى معه ، فجاز إلى أصحابه ، فنزل بهم جبلا من جبال الأندلس حريزا منيعا ، فسمى ذلك الجبل من يومئذ «جبل طارق» فلا يعلم إلّا به.
وموسى بن نصير بإفريقية لا يعلم شيئا من هذا ، فلمّا بلغ ملوك الأندلس خبره نفروا إلى الملك الأعظم ، وهو لذريق وكان طاغيا فى جموع عظيمة على دين النصرانية ، وزحف إلى طارق فى عدة عظيمة وعاد بسرير من ذهب مكلّل بالدرّ والياقوت فشد السرير على ... ، وحفّت به الرجال ، وقعد لذريق على سريره ، وعلى رأسه تاج وعليه قفّازان مكلّلان بالدرّ والياقوت وجميع الحلية التى يلبسها الملوك قبله ، فلما انتهى إلى الجبل الذى فيه طارق ، خرج إليه طارق وجميع أصحابه رجّالة ليس فيهم راكب ، فشمروا للموت فقال لرجاله : «ليس هم أحق بالموت منكم ، قد دخلوا عليكم بلادكم!» ونادى بالنزول فنزل العسكر ... فمشى بعضهم إلى بعض بالسلاح ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فوقع الصبر حتى ظنّ الناس أنه الفناء ، وتواخذوا بالأيدى وضرب الله عز وجلّ