من عامر لا يضران ولا ينفعان ، ثم قال : أين مالك؟ قالوا : هذا مالك ، فدعا له فقال : يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما ، وقد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيام ، يا مالك ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقرة وبكاء الصغير وثغاء (١) الشاة؟ قال مالك : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال دريد : ولم؟ قال مالك : [أردت](٢) أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله وولده ونساءه حتى يقاتلوا عنهم ، قال : فأنفض بيده ، ثم قال : راعي ضأن ، ما له وللحرب؟ وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الجد والحد ، ولو كان يوم رفعة وعلاء لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، فإذا صنعت ما صنعت فلا تعصني في هذه الخطة ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم وعزهم ثم الق القوم على متون الخيل ، فإن كان لك لحق بك من ورائك وكان أهلك لا فوت عليهم ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ، فغضب مالك من قوله وقال : والله لا أفعل ، ولا أغير أمرا صنعته ، إنك قد كبرت وكبر علمك ، وحدث بعدك من هو أبصر بالحرب منك ، قال دريد : يا معشر هوازن ، والله ما هذا لكم برأي ، هذا فاضحكم في عورتكم وممكّن منكم عدوكم ، ولا حق بحصن ثقيف وتارككم فانصرفوا واتركوه قال : فسلّ مالك سيفه ثم نكسه ، ثم قال : يا معشر هوازن والله لتطيعنني (٣) أو لأتكئنّ على السيف حتى يخرج من ظهري. وكره مالك أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا : والله إن عصينا مالكا ، وهو شاب. ليقتلنّ نفسه ونبقى مع دريد ، شيخ كبير لا قتال فيه ، ابن ستين ومائة سنة ، فأجمعوا رأيهم مع مالك ، فلما رأى ذلك دريد أنهم قد خالفوه قال : هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه.
يا ليتني فيها جذع |
|
أخب فيها وأضع |
وكان دريد قد ذكر بالفروسية والشجاعة. ولم يكن له عشرون سنة ، وكان سيد بني
__________________
(١) بالأصل : «ويغار» والمثبت عن الواقدي.
(٢) زيادة لازمة عن مغازي الواقدي.
(٣) عن مغازي الواقدي وبالأصل : ليطيعني.