أمري ، قال : فقلت : ومن الذي له عليك الدين؟ قال : دعلج بن أحمد ، قال : وكان إلى جانبه صاحب لدعلج قد صلّى وهو لا يعرفه فسمع هذا القول ومضى في الوقت إلى دعلج فذكر له القصة ، فقال له دعلج : امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام ، واطرح عليه خلعة من ثيابي ، وأجلسه في منزلي حتى انصرف من الجامع. ففعل الرجل ذلك فلما انصرف دعلج إلى منزله أمر بالطعام فأحضر وأكل هو والرجل ثم أخرج حسابه فنظر فيه ، وإذا له عليه عليه خمسة آلاف درهم ، فقال له : انظر لا يكون عليك في الحساب غلط ، أو نسي لك نقد ، فقال الرجل : لا ، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته علامه الوفاء ثم أحضر الميزان ووزن خمسة آلاف درهم ، وقال له : أما الحساب الأول فقد حللناك مما بيننا وبينك فيه ، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف الدرهم وتجعلنا في حلّ من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في مسجد الجامع ، أو كما قال.
قال (١) : وحدّثني أبو منصور محمّد بن محمّد بن أحمد العكبري ، حدّثني أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ ، قال : أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم فضاقت يده وامتدت إليها ، فأنفقها ، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال أمر السلطان بفك الحجرة عليه ، وتسليم ماله إليه ، وتقدم إلى ابن أبي موسى يحمل المال ليسلم إلى الغلام ، قال ابن أبي موسى : فلما تقدم إليّ بذلك ضاقت علي الأرض بما رحبت ، وتحيرت في أمري ، لا أعلم من أي وجه أغرم المال ، فبكرت من داري ، وركبت بغلتي ، وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه ، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي ، ووقفت بي على باب مسجد دعلج بن أحمد ، فثنيت رجلي ودخلت المسجد فصليت خلفه صلاة الفجر ، فلما سلم انفتل إليّ ورحب بي وقام وقمت معه ودخل إلى داره فلما جلسنا جاءته الجارية بمائدة لطيفة وعليها هريسة ، فقال : يأكل الشريف؟ فأكلت وأنا لا أحصل أمري ، فلما رأى تقصيري قال : أراك منقبضا ، فما الخبر؟ فقصصت عليه القصة ، وانني أنفقت المال ، فقال : كل فإن حاجتك تقضى ، ثم أحضر حلواء فأكلنا ، فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا قال : يا جارية افتحي ذلك الباب فإذا خزانة مملوءة زبلا (٢) مجلدة فأخرج إليّ بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير
__________________
(١) المصدر نفسه ص ٣٩٠.
(٢) الزبل جمع زبيل ، كأمير ، القفة أو الجراب أو الوعاء (القاموس).