منه ، واستدعى الغلام والتخت (١) والطيار (٢). فوزن عشرة آلاف دينار وبدّرها وقال : يأخذ الشريف هذه؟ فقلت : يثبتها الشيخ عليّ ، فقال أفعل ، وقمت وقد كاد عقلي يطير فرحا. فركبت بغلتي وتركت الكيس على القربوس (٣) وغطيته بطيلساني وعدت إلى داري وانحدرت إلى دار السلطان بقلب قوي وجنان ثابت ، فقلت : ما أظن إلّا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم ، واستبددت (٤) به ، والمال فقد أخرجته ، فأحضر قاضي القضاة والشهود والنقباء وولاة العهود ، وأحضر الغلام وفك حجره ، وسلم المال إليه ، وعظم الشكر لي والثناء عليه فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخليفة ، وكان عظيم الحال فقال : قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادوريا (٥) ونهر الملك (٦) ، فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال ، وجاءت السنة ووفيته وحصل في يدي من الربح ما له قدر كثير (٧) ، وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين. فلما مضت حسبت حسابي وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار ، فعزلت عوض العشرة آلاف التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه ، وصلّيت معه الغداة فلما انفتل من صلاته ورآني نهض معي إلى داره (٨) ، وقدم المائدة والهريسة فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب ، فلما قضينا الأكل قال لي خبرك (٩) وحالك؟ فقلت : بفضل الله وبفضلك قد أفدت بما فعلته معي ثلاثين ألف دينار ، وهذه منها عشرة آلاف دينار عوض الدنانير التي أخذتها منك ، فقال : يا سبحان الله ، والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها ، حلّ بها الصبيان. فقلت له : أيها الشيخ إيش هذا المال حتى يهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال نشأت وحفظت القرآن وسمعت الحديث ، وكنت أتبزز ، فوافاني رجل من تجار البحر فقال لي : أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت : نعم ، فقال : قد رغبت في تسليم مالي إليك
__________________
(١) التخت : الكرسي أو المقعد.
(٢) الطيار : ميزان الدراهم.
(٣) القربوس : حنو السرج ، قال الأزهري : وللسرج قربوسان ، (انظر اللسان).
(٤) تاريخ بغداد : واستلذذت.
(٥) بادوريا : ناحية من كورة الأستان بالجانب الغربي من بغداد (ياقوت).
(٦) نهر الملك : كورة واسعة ببغداد ، بعد نهر عيسى ، يقال إنه يشتمل على ثلاث مائة وستين قرية (ياقوت).
(٧) تاريخ بغداد : كبير.
(٨) بالأصل : ذكره ، والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٩) الأصل : «أخبر» والمثبت عن تاريخ بغداد.