حملة الكرسي من نور حملة العرش ، ولهم قرون غلظ كل قرن كلّ ملك ما بين الخافقين ، قال : فما خلف أولئك؟ قال : أرض بيضاء ملساء ، ضوأها من نورها ، ونورها من ضوأها مسيرة الشمس أربعين يوما ، تكون مثل الدنيا عامرها ، وغامرها أربعين ضعفا ، ليس فيه موضع شبر إلّا وملك ساجد لم يرفع رأسه منذ خلقه الله ، ولا يرفعه إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رءوسهم فقالوا : ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، قال : فما خلف أولئك؟ قال : ملائكة يضعفون عليهم أربعين ضعفا ، لكلّ ملك منهم أربعون رأسا في كل رأس أربعون وجها في كل وجه أربعون فما ، في كل فم أربعون لسانا ، في كل لسان أربعون لغة تسبّح الله وتقدّسه بكل لغة أربعين نوعا ، قال : فما خلف أولئك؟ قال : ملائكة يضعفون على هؤلاء أربعين ضعفا ، طول كلّ منهم ما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين ، ليس في جسده موضع ظفر ابن آدم إلّا وفيه لسان ناطق يحمد الله ويقدسه. قال : فما خلف أولئك؟ قال : ملك قد أحاط بجميع ما ذكرت لك ، لو أذن الله له لجمع جميع ما ذكرت لك ، وما في سبع سماوات وسبع أرضين ما خلا العرش والكرسي ، لالتقمهم بلقمة واحدة ، قال : فما خلف ذلك؟ قال : انقطع علمي وعلم كلّ عالم وكل ملك ، ليس وراء ذلك إلّا الله وبهاءه وسلطانه. فانصرف ذو القرنين إلى أصحابه.
فقال الحسن : إنما حمل ذا (١) القرنين على أن يأتي المشرق والمغرب أنه وجد في بعض الكتب أن رجلا من ولد سام بن نوح يشرب من عين في البحر ـ وهي من الجنة ـ فيعطى الخلد ، قال : فطلب (٢) تلك العين.
قال إسحاق : وبلغني أن الخضر كان وزيره وكان معه يسايره ، وكان يقال : كان ابن خالته ، فبينما هو يسير معه في البحر إذ تخلف عنه الخضر فهجم على تلك العين فشرب منها وتوضّأ ، فلما رجع إلى ذي القرنين أخبره ، فقال له : إني أردت أمرا وفزت به أنت ، فارجع عني. فحسده وردّه ، واغتم لذلك ذو القرنين حين فاته ما أراد. فقال له العلماء والحسّاب : لا تحزن فإنا نرى لك أيها الملك مدة طويلة ، وإنك لا تموت إلّا على أرض من حديد وسماء من خشب ؛ فانصرف راجعا يريد الروم ، ويدفن كنوز كلّ أرض بها ،
__________________
(١) بالأصل وم : ذو.
(٢) بالأصل وم : يطلب.