ويكتب ذكر ذلك ومبلغ ما دفن وموضعه ، فيحمله معه في كتاب حتى بلغ بابل ، فرعف وهو في المسير فسقط عن دابته ، وبسط له درع ، وكانت الدرع إذ ذاك مثل الصفائح والجواشن ، وإنما استحدث هذه الدرع داود عليهالسلام قال : فنام على ذلك الدرع فآذته الشمس فدعوا له ترسا فأظلّوه به ، فنظر فإذا هو على حديد مضطجع ، وفوقه خشب ، فقال : هذه أرض من حديد وسماء من خشب ، فدعا كاتبه واستعان بعلماء بابل فكتب :
بسم الله الرّحمن الرحيم ، من الاسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض ببدنه قليلا ، ورفيق أهل السماء بروحه الطويل ، إلى أمه روقية ذات الصفاء التي لم تمتّع بثمرة قلبها في ذات القرب وهي مجاورته عما قليل في ذكر البعد ، يا روقية يا ذات الصفاء ، هل رأيت معطيا لا يأخذ ما أعطى؟ ولا معيرا لا يأخذ عاريته؟ ولا مستودعا لا يأخذ وديعته؟ يا روقية إن كان أحد بالبكاء حقيقا فلتبك السماء على شمسها ، كيف يعلوها الطمس والكسوف ، وعلى قمرها كيف يعلوه السواد ، وعلى كواكبها كيف تنهار وتناثر ، ولتبك الأرض على خضرتها ونباتها ، والشجر على ثمارها ، وأوراقها كيف تتحاتّ وتصير هشيما ، ولتبك البحار على حيتانها ، يا أمّتّاه هل رأيت نعيما لا يزول ، أو حيا دائما فهما مقرونان بالفناء ، يا أمّتّاه ، لا يبغينك (١) موتي ، فإنك كنت مستيقنة بأني أموت ، وأنا لم يبغتني الموت لأني كنت مستيقنا أني من الذين يموتون. يا أمّتّاه اعتبري ولا تحزني ، فكوني في مصيبتي كما كنت تحبين أن أكون في الرجال ، يا أمتاه اقرأ عليك السلام إلى يوم اللقاء.
قال : فمات ، قال : وكان فيمن ملك الضحاك بن الأهيوب بعده.
أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن السّمرقندي ، وهبة الله بن أحمد بن الأكفاني ، قالا : أنبأ أبو الحسن علي بن الحسين بن صصري ، أنبأ أبو محمّد بن أبي نصر ، أنبأ خيثمة بن سليمان ، نا أبو عبيدة بن أخي هنّاد بن السّري بن يحيى ، نا سفيان بن وكيع بن الجرّاح ، نا أبي ، ثنا معتمر بن سليمان ، عن أبي جعفر ، عن أبيه : أنه سئل عن ذي القرنين (٢) فقال : كان ذو القرنين عبدا من عباد الله صالحا ، وكان من الله بمنزل ضخم ، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب ، وكان له خليل من الملائكة يقال
__________________
(١) في مختصر ابن منظور ٨ / ٢٢٠ يبغتنك.
(٢) الخبر في البداية والنهاية ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨ باختصار.