على أولادها ، والنبت الذي يخرج منها ، وليبك الإنسان على نفسه التي تموت في كل ساعة عند كل طرفة وقول ، وفي كل همّ وفعل بل على ما يبكي الثاني لفقد ما فقد أكان قبل فراقه إياه قابل لذلك من فقده أم هو لما بقي باق له لبكائه ، والحزن عليه ، أو هو باق بعده فإن لم يكن هذا ولا هذا فليكن للباكي على ذلك دليل يتبع وإلّا فإنه غير هادي ، يا أمّتّاه إن الموت لا يبعثني من أجل أني كنت عارفا أنه نازل بي ولا يبعثنك الحزن فإنك لم تكوني جاهلة بأني من الذين يموتون.
يا أمّتاه إني كتبت كتابي هذا وأنا أرجو أن تعتبري به وتحسن موقعه منك ، ولا تخلفي ظنك ولا تحزني روحك ، يا أمّتاه إني قد علمت يقينا أن الذي أذهب إليه خير من مكاني الذي أنا فيه أظهر من الهموم والأحزان والأسقام والنصب والأمراض ، فاغتبطي لي بمذهبي (١) واستعدي في احتمالك لاتّباعي.
يا أمّتاه إن ذكري قد انقطع عن الدنيا فإنما كنت أذكر به من الملك والرأي ، فاجعلي لي من بعدي ذكرا اذكريه في حلمك وصبرك وطاعة الفقهاء والرضا بما يقول الحكماء ، يا أمّتاه إن الناس سينظرون إلى هذا منك وما يكون منك من بين راض وكاره ومدل مستمع ، وما كل قول ومخبر ، فاحسبي إليّ في ذلك وإلى نفسك من بعدي.
يا أمّتاه السلام عليك في هذه الدار قليل زائل فليكن عليك السلام وعلينا في دار الأبد السلام الدائم ففكري بنعهم (٢) ورغبة عن نفسك أن تكون سنة النساء في الجزع كما كنت لا أرضا أن أكون شبه الرجال في الرقة والجزع والاستكانة والضعف ، ولم يكن ذلك يرضيك مني ، ثم مات.
أخبرنا أبو القاسم العلوي ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا أحمد بن محمّد البغدادي ، نا عبد المنعم ، عن أبيه ، عن وهب ، قال : لما مات ذو القرنين وحمل على النعش اجتمعت الحكماء حواليه ، فتكلم كلّ واحد منهم على قدر علمه ، حتى كان آخرهم رجل من عظماء الحكماء فقال : يا ذا القرنين كنا نعجب بالنظر إلى وجهك فقد صرنا الساعة نتقذر من النظر إلى وجهك ، فقد أمن من كان يخافك فليت شعري قد أمنت ممن كنت تخافه.
__________________
(١) كذا بالأصل وم.
(٢) كذا رسمها بالأصل وم.