علي بن بركات ، قالوا : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي ، أنبأ محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد ، أنا عثمان بن أحمد بن عبد الله ، وأحمد بن سندي ، قالا : نا الحسن بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، عن عبد الله بن زياد ، قال : حدّثني بعض من قرأ الكتب أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها وبلغ أرض بابل فمرض مرضا شديدا أشفق من مرضه أن يموت بعد ما دوّخ البلاد وحول العباد واستعبد الرجال وجمع الأموال ونزل بأرض بابل ، فدعا كاتبه فقال : خفف عليّ في الموتة بكتاب تكتبه إلى أمي تعزيها بي واستعن ببعض علماء أهل فارس ثم اقرأه عليه فكتب الكاتب :
بسم الله الرّحمن الرحيم من الاسكندر ـ قال ابن سمعان : وهو بنى الاسكندرية وعمل الوشي الاسكندراني فباسمه سميت الاسكندرية والاسكندراني ـ فكتب من الاسكندر بن قيصر رقيق أهل الأرض بجسده قليلا ، ورقيق أهل السماء بروحه طويلا ، إلى أمه روقية ذات الصفاء التي لم تمنع بثمرتها في دار القرب وهي مجاورته عما قليل في دار البعد ، يا أمّتّاه يا ذات الحلم ، أسألك برحمتي وودّي وولادتك إياي ، هل وجدت لشيء فرارا باقيا أو خيالا دائما ألم تري إلى الشجرة كيف تنضر أغصانها ، ويخرج ثمرها ، وتلتف أوراقها؟ ثم لا يلبث ذلك الغصن أن ينهشم والتمرة أن تتساقط والورق أن يتناثر ، ألم تري إلى النبت الأزهر يصبح نضيرا ويمشي هشيما ، ألم تري إلى النهار المضيء كيف يخلفه الليل المظلم ، ألم تري إلى القمر الزاهر ليلة نوره يغشاه الكسوف ، ألم تري إلى الشهب النار الموقدة ما أوشك ما تخمد. ألم تري إلى عذب المياه الصافية ما أسرعها إلى البحور المتغيرة ، ألم تري إلى هذا الخلق كيف يعيش في الدنيا وقد امتلأت منه الآفاق ، واستقلت به الأشياء ، ولهت به الأبصار والقلوب ، إنما هو شيئان إما مولود وإما ميت ، كلاهما مقرون بهما الفناء ، ألم تري أنه قيل لهذه الدار روحي بأهلك فإنك لست لهم بدار يا واهبة الموت ، ويا مورثة الأحزان ، ويا مفرقة بين الأحبة ، يا مخربة العمران ، ألم تري أن كل مخلوق يجري على ما لا يدري وإن كان مستقيما منهم غير راض بما فيه وذلك أنه منزل بغير قران. هل رأيت يا أمتاه معطي (١) لا يأخذ ومقرض لا يتقاضى ومستودع لا يرد وديعته ، يا أمتاه إن كان أحد بالبكاء حقيقا فلتبك السموات على نجومها ، ولتبك الحيتان على بحورها ، وليبك الجو على طائره ، ولتبكي الأرض
__________________
(١) كذا بإثبات الياء.