ذو الكفل فقدروا على الملك على مسيرة شهر من بلادهم ، فلما نظروا إليه قائم يصلي خرّوا له سجّدا فانصرف إليهم فقال : اسجدوا لله ، ولا تسجدوا لأحد من الخلق ، فإني آمنت برب السموات والأرض والشمس والقمر. فوعظهم وخوّفهم قال : فعرض له وجع وحضره الموت فقال لأصحابه : لا تبرحوا فإن هذا آخر عهدي بالدنيا فإذا متّ فادفنوني ، وأخرج كتابه فقرأه عليهم ، حتى حفظوه وعلموا ما فيه. وقال لهم : هذا كتاب كتب لي أستوفي منه ما فيه ، فادفنوا هذا الكتاب معي ، قال : فمات ، فجهّزوه ووضعوا الكتاب على صدره ودفنوه. فبعث الله عزوجل ملكا فجاء به إلى ذي الكفل فقال : يا ذا الكفل إنّ ربك قد وفى لكنعان بكفالتك ، وهذا الكتاب الذي كتبته له ، وإن الله يقول : إني هكذا أفعل بأهل طاعتي ، فلما أن جاءه الملك بالكتاب ظهر للناس ، أخذوه فقالوا : أنت غررت ملكنا وخدعته ، فقال لهم : لم أغرّه ولم أخدعه ، ولكن دعوته إلى الله وتكفّلت له بالجنة ، وقد مات ملككم اليوم في ساعة كذى ، وكذا ودفنه أصحابكم وهذا الكتاب الذي كنت كتبته له على الله بالوفاء ، وقد أوفاه الله حقه ، وهذا الكتاب تصديق لما أقول لكم ، فانتظروا حتى يرجع أصحابكم ؛ فحبسوه حتى قدم أصحابهم ، فسألوهم فقصّوا عليهم القصة وقالوا لهم : تعرفون الكتاب الذي دفنتموه معه؟ قالوا : نعم ، فأخرجوا الكتاب فقرءوه فقالوا : هذا الكتاب الذي كان معه ودفناه في يوم كذا وكذا ، فنظروا وحسبوا فإذا ذو الكفل كان قد قرأ عليهم الكتاب وأعلمهم بموت الملك في اليوم الذي مات فيه ، فآمنوا به واتّبعوه فبلغ من آمن به مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا ، وتكفّل لهم مثل الذي تكفّل لملكهم على الله ، فسماه الله ذا الكفل.
أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد البغدادي ، أنبأ أبو الحسين [عاصم](١) بن الحسن بن محمّد العاصمي ، أنا أبو الحسين علي بن محمّد بن عبد الله بن بشران ، أنا أبو علي الحسين بن صفوان ، نا عبد الله بن محمّد بن عبيد بن سفيان ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا قبيصة ، نا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث في ذي الكفل ، قال : قال نبي من الأنبياء لمن معه : هل منكم من يكفل لي لا يغضب ويكون معي في درجتي ويكون بعدي ، قال شاب من القوم : أنا ، ثم أعاد عليه ، فقال الشاب : أنا ، ثم أعاد عليه ، فقال الشاب : أنا ، فلما مات قام بعده في مقامه فأتاه
__________________
(١) زيادة لازمة ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٥٩٨.