الملك : اختر ثم أخبرني (١) من عبد إلهك ما جزاؤه؟ قال : الجنة إذا مات ، قال : فما الجنة؟ قال : دار خلقها الله بيده فجعلها مسكنا لأوليائه يبعثهم يوم القيامة شبابا مردا أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، فيدخلهم الجنة في نعيم وخلود ، شباب لا يهرمون مقيمين لا يظعنون أحياء لا يموتون ، في نعيم وسرور وبهجة ، قال : فما جزاء من لم يعبده وعصاه؟ قال : النار ، مقرونين مع الشياطين ، مغلغلين بالأصفاد ، لا يموتون أبدا في عذاب مقيم ، وهوان طويل ، تضربهم الزبانية بمقامع الحديد ، طعامهم الزّقّوم (٢) والضريع (٣) ، وشرابهم الحميم ، قال : فرقّ الملك وبكى لما كان قد سبق له ، فقال : إن أنا آمنت بالله فما لي؟ قال : الجنة ، قال : فمن لي بذلك؟ قال : أنا لك الكفيل على الله جل وعز. وأكتب لك على الله كتابا ، فإذا أتيته تقاضيته ما في كتابك وفى لك فإنه قادر قاهر ، يوفيك ويزيدك ، ففكر الملك في ذلك ، وأراد الله به الخير ، فقال له : اكتب لي على الله كتابا ، فكتب :
بسم الله الرّحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه فلان الكفيل على الله لكنعان الملك ، ثقة منه بالله أن لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولكنعان على الله بكفالة فلان إن تاب ورجع ، وعبد الله أن يدخله الجنة ويبوئه منها حيث يشاء ، وأنّ له على الله ما لأوليائه ، وأن يجيره من عذابه ، فإنه رحيم بالمؤمنين واسع الرحمة ، سبقت رحمته غضبه.
ثم ختم على الكتاب ودفعه إليه ثم قال له الملك : أرشدني كيف أصنع؟ قال : قم فاغسل والبس ثيابا جددا ففعل ، ثم أمره أن يتشهد بشهادة الحق وأن يبرأ من الشرك ففعل ؛ ثم قال : كيف أعبد ربي؟ فعلّمه الشرائع والصلاة ، ثم قال له : يا ذا الكفل استر هذا الأمر ولا تظهره حتى ألحق بالنّسّاك قال : فخلع الملك وخرج سرا فلحق بالنّسّاك فجعل يسيح في الأرض. ولحق بالنساك وفقده أهل مملكته وطلبوه فلما لم يقدروا عليه قال : اطلبوا ذا الكفل فإنه هو الذي غرّ آلهتنا قال : فذهب قوم في طلب الملك وتوارى
__________________
(١) بالأصل : «اخترني» والمثبت عن م وانظر مختصر ابن منظور ٨ / ٢٣٢.
(٢) الزقوم : شجرة بجهنم (القاموس) قال تعالى فيها في سورة الصافات (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ).
(٣) الضريع : الشبرق ، أو يبيسه ، أو نبات رطبه يسمى شبرقا ويسمى يابسه ضريعا لا تقربه دابة لخبثه.
(القاموس).