جميع أهلها ، فكان الذي أطفأ نيرانها ونزع أوبارها (١) ، وأوهن (٢) به قوى إبليس وآيسه مما كان قد طمع من ظفره بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم محمّد بن عبد الله فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلى الله على محمّد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ، وقد كان مما قضى الله أن ضمّ بيننا وبين أهل ديننا بصفّين ، وإنا لنعلم أن منهم قوما قد كانت لهم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سابقة ذات شأن وخطر عظيم ؛ ولكنّي قلّبت (٣) هذا الأمر ظهرا وبطنا ، فلم أر أن يسعنا أن يهدر دم ابن عفان ، صهر نبينا صلىاللهعليهوسلم ومجهّز جيش العسرة (٤) ، واللاحق في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيتا ، وباني سقاية المسلمين ، وبايع له رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده اليمنى على اليسرى ، واختصّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكريمتيه أم كلثوم ورقية ابنتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن كان أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه ، قال الله عزوجل من قائل لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)(٥) وقتل موسى عليهالسلام نفسا ثم استغفر الله فغفر له ، وقد أذنب نوح عليهالسلام ثم استغفر الله فغفر له ، وقد أذنب أبوكم آدم عليهالسلام ثم استغفر الله فغفر له ، فلم يعرّ أحد من الذنوب ، وإنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله ، وإنّه لأخوه في دينه ، وابن عمه ، وسلفه ، وابن عمّته (٦) ، وقد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامكم وبلادكم وبيضتكم ، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل ، فاستعينوا بالله واصبروا فقد ابتليتم ، أيتها الأمة ، والله لقد رأيت في منامي في ليلتي هذه ، لكأنا وأهل العراق قد اعتورنا مصحفا نضربه بأسيافنا ، ونحن في ذلك ننادي : ويحكم ، الله الله! مع إنا والله ما نحن بمفارقي العرصة (٧) حتى نموت ، عليكم بتقوى الله ، ولتكن النيّات لله عزوجل ، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول : إنما يبعث المقتتلون على النيّات (٨) ، أفرغ
__________________
(١) وقعة صفّين : أوتادها.
(٢) وقعة صفّين : وأوهى.
(٣) وقعة صفّين : ضربت.
(٤) يريد في غزوة تبوك.
(٥) سورة الفتح ، الآية : ٢.
(٦) أم عثمان هي أروى بنت كريز ، وأم أمّه البيضاء بنت عبد المطلب.
(٧) أي ساحة الحرب.
(٨) كذا ، وقد مرّ قريبا حديثا مرفوعا ، وفي وقعة صفّين : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : وذكره.