جعفر بن محمّد بن نصير الخلدي ، نا أحمد بن [محمّد بن](١) مسروق ، قال : سمعت ذا النون المصري يقول : بينا أنا في بعض مسيري إذ لقيتني امرأة ، فقالت لي : من أين؟ قلت : رجل غريب ، فقالت لي : ويحك وهل يوجد مع الله أخوان (٢) الغربة ، وهو مؤنس الغرباء ومعين الضعفاء؟ فبكيت فقالت لي : ما يبكيك؟ فقلت : وقع الدواء على داء قد قرح فأسرع في نجاحه. قالت : إن كنت صادقا فلم بكيت قلت : والصادق لا يبكي؟ قالت : لا ، قلت : ولم؟ قالت : لأن البكاء راحة القلب ، وملجأ يلجأ إليه ، وما كتم القلب شيئا أحق من الشهيق والزفير ، فإذا أسبلت الدمعة استراح القلب ، وهذا ضعف عند الألباء يا بطال ، فبقيت متعجبا من كلامها ، فقالت لي : ما لك؟ قلت : تعجبا من هذا الكلام ، قالت : وقد أنسيت القرحة التي سألت عنها؟ قلت : لا ، قلت : علميني شيئا ينفعني الله به ، قالت : وما أفادك الحكيم في مقامك هذا من الفوائد ما تستغني به عن طلب الزوائد؟ قلت : لا ما أنا بمستغن عن طلب الزوائد ، فقالت : صدقت. أحبّ (٣) ربك واشتق (٤) له ، فإن له يوما يتجلى فيه على كرسي كرامته لأوليائه وأحبائه ، فيذيقهم من محبته كأسا لا يظمئون بعدها أبدا ، قال : ثم أخذت في البكاء والزفير والشهيق وهي تقول : سيدي إلى كم تخلفني في دار لا أجد فيها أحدا يسعدني على البكاء أيام حياتي؟ ثم تركتني ومضت.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، ثنا أبو بكر أحمد بن علي ـ لفظا ـ وأبو القاسم حمزة بن محمّد بن الحسن الزهري.
ح وأخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي قالوا : أنا عبد الرّحمن بن عبيد الله الحرفي (٥) قال : سمعت محمّد بن الحسن
__________________
(١) الزيادة عن تاريخ بغداد.
(٢) رسمها وإعجامها مضطرب قد تقرأ «احزان» وقد تقرأ : «أخران» والمثبت عن تاريخ بغداد ، وفي الحلية «أحزان» وفي م : أجران.
(٣) بالأصل : حب» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) بالأصل : «واشتاق» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٥) مهملة بالأصل بدون نقط ، والصواب ما أثبت وضبط عن الأنساب وهذه النسبة للبقال ببغداد ، ومن يبيع الأشياء التي تتعلق بالبزور والبقالين. ذكره السمعاني وترجم له وفي م : «الحرمى».
وله ترجمة في سير الأعلام ١٧ / ٤١١.