ثم قال : إلهي وهل يليق بك إلّا ذلك.
وقال : حذر قوم عقوبة ، وعقوبة العارف انقطاعه من ذكره (١) ، ومن لم يذق مرارة الكفر لا يجد حلاوة الإيمان ، ومن لم يذق ذلّ المعاصي لم يجد عزّ الطاعة ، ومن يذق نعمة الوقيلة لم يجد طعم قرب الذكر ، وبالعبد حاجة إلى اختلاف الأحوال عليه ليخلص إلى ربه حقيقة الفاقة إليه ، وهم على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف ، فإذا زال عنهم الخوف فقد تركوا الطريق وأخذ بهم ذات الشمال.
أخبرنا أبو سهل محمّد بن إبراهيم ، أنا أبو الفضل الرازي ، أنا جعفر بن عبد الله ، نا محمّد بن هارون ، حدّثنا بعض أصحابنا ، نا محمّد بن الحسن الهمداني ح.
قال : وحدّثنا عيسى بن عبد الله ، نا محمّد بن الحسن الهمداني ، قال : سمعت ذا النون بن إبراهيم المصري يقول : المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه أوسع شيء صدرا ، وأذل شيء نفسا ، زاجر عن كل أفن حاض على كل جنس المؤمن لا حقود ولا حسود ولا وثاب ، لا سباب ولا عياب ولا مغتاب ، يكره الرفعة ويشنأ للسمعة ، طويل العمر بعيد الهمّ كثير الصمت ، المؤمن وفور ذكور ، صبور شكور مغمور ، بفكره مسرور سهل الخليفة لين العريكة ، رضين الوفاء قليل الأذى لا متأفك ولا متهتك ، إن ضحك لم يخرق ، وإن غضب لم ينزف ، والمؤمن ضحكه تبسم ، واستفهامه تعلّم ومراجعته تفهّم ، كثير علمه عظيم حلمه ، رحمة المؤمن لا يبخل ولا يعجل ، ولا يضجر ولا يتطير ولا يسخر ، ولا يحيف في حكمه ، ولا يخون في علمه ، يقينه أصلب من الصلد ، ومنادمته أحلى من الشهد ، لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ، ولا متعمق ولا متكلف ، وصول في غير عنف بذول في غير سرف ، المؤمن جميل المنازعة كريم المراجعة ، عدل إن غضب رقيق إن طلب ، أخلص ألوف وفي بالوعد شفيق ، وصول عليم حمول قليل الفصول ، راض عن الله مخالف لهواه لا يغلظ على من يؤذيه ولا يخوض فيما لا يعنيه ، إن سبّ بقدح لم يسبب ، وإن سأل ومنع لم يغضب ، المؤمن لا يشمت بمصيبة ولا يذكر أحدا بعينه ، كثير الفضل رحيب سهل لين الجنان صدوق اللسان ، عفيف الطعمة خفيف المئونة كثير المعونة ، ورع عن الحرمات وقّاف عن الشّبهات ، عظيم الشكر على البلاء طويل الصبر على الأذى ، عزيز خيره قليل شره ، إن سئل أعطى وإن ظلم عفا ، وإن قطع
__________________
(١) في حلية الأولياء ٩ / ٣٥٥ من ذكر الله.