فقلت : مما ذا يا جارية؟ فقالت : من مصيبة نالتني ، لم تصب أحدا قط ، قلت : وما هذه المصيبة؟ قالت : يا ذا النون كان شبلان يلعبان أمامي ، وكان أبوهما ضحّى بكبش ، فقال أحدهما لأخيه يا أخيه (١) : أريك كيف ضحّى أبونا بكبشه؟ فنام أحدهما فأخذ الآخر شفرة فنحره ، وهرب القاتل فدخل أبوهما فقلت : إن ابنك قتل أخاه وهرب ، فخرج في طلبه فوجده قد افترسه السّبع ، فرجع الأب فمات في الطريق ظمأ وجوعا وكان لي طفل صغير وكنت أطبخ قدرا فغفلت عنه فأصاب (٢) فسقط القدر عليه فمات حرقا ، قال ذو النون : فلم أسمع بشيء أعجب من ذلك.
أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي ، أنبأ الحسن بن يحيى بن إبراهيم ، أنبأ الحسن بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنبأ علي بن عبد الله بن جهضم ، نا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عيسى الواعظ ، حدّثني يوسف بن الحسين ، قال : قال لي أبو نصر فتح بن شخرف (٣) الكسّي (٤) : دخلت على أبي الفيض ذي النون بن إبراهيم عند موته فقلت : كيف تجدك؟ فقال (٥) :
أموت وما ماست (٦) إليك صبابتي |
|
ولا رويت من صدق حبك أوطاري |
أموت وشيكا فيك يا علة المنى |
|
ولم أقض يا ذا الكبر يا منك أفكاري |
مناي المنى كل المنى أنت لي منى |
|
وأنت الغنى كل الغنى عند اقتاري (٧) |
وأنت مدا سؤلي وغاية رغبتي |
|
وموضع آمالي (٨) ومكنون إضماري |
تضمن قلبي منك مالك قد بدا |
|
وإن طال سري فيك أو طال إظهاري (٩) |
__________________
(١) وتقرأ بالأصل وم : لأخته يا أخته.
(٢) كذا بالأصل وم.
(٣) مهملة بالأصل وم ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في تاريخ بغداد ١٢ / ٣٨٤.
(٤) كذا بالأصل وم : الكسي ، بالسين المهملة ومثله في تاريخ بغداد.
وهذه النسبة إلى «كس» بكسر الكاف وتشديد السين ، بلدة بما وراء النهر (الأنساب) قال السمعاني : غير أن المشهور كش بفتح الكاف والشين المنقوطة ، بقرب نخشب.
(٥) بعض الأبيات في حلية الأولياء ٩ / ٣٩٠.
(٦) كذا رسمها بالأصل ، وفي الحلية : ماتت.
(٧) الحلية : منادي المنى ... إقصاري.
(٨) الحلية : شكواي.
(٩) رواية الحلية :
تحمل قلبي فيك ما لا أبثه |
|
وإن طال سقمي فيك أو طال اضراري |