فرهيوه كاتب ابن مهاجر ثبّت ما حمل إلى الحضرة للمعتمد ، وفرق في جماعة لأربع سنين أولهن سنة اثنتين وستين ومائتين ، وآخرهن سنة ست وستين ومائتين ، مما نفذت به سفاتج (١) ولم تظهر تفريقه ، فكان في جملته ألفا ألف دينار ، ومائتا ألف دينار ـ يعني من جهة أحمد بن طولون ـ ، قال : فقلت له : أيما كان أوسع نفقة أحمد أو أبو الجيش؟ فقال لي : كان أبو الجيش أوسع صدرا وأكثر نفقة ، وأحمد كان يجدّ في نفقته ، وأبو الجيش يهزل فيها.
قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، قال أبو الفتح علي بن الفتح الكاتب المعروف بالمطوق : كان من دهاء عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير أنه لم يترك للمعتضد عدوا إلّا أصلح الحال بينه وبينه ، قال : فكاتب عبيد الله بن سليمان خمارويه بن أحمد بن طولون ، وكان متغلبا على أعمال المغرب ، كلها من حدّ الرّحبة إلى أقصى الأرض في المغرب في الصلح على أن يقتصر خمارويه على أعمال حمص ودمشق والأردن وفلسطين ومصر وبرقة ، وما والاها مما كان في يده ، وتخلى عن ديار مضر وقنّسرين والعواصم وطريق الفرات والثغور ، فأجابه إلى ذلك ، وكتب به سجلا أشهد فيه على المعتضد بالله وعلى خمارويه بن أحمد ، ووقع من كل واحد منهما مرضاة (٢).
قال أبو الحسين : وحدّثني إبراهيم بن محمّد بن صالح الدمشقي (٣) ، قال : كان أبو الجيش كثير اللّواط بالخدم معجبا به مجترئا على الله عزوجل في ذلك ، وبلغ من أمره في اللّواط بهم أنه دخل مع خدم له الحمام ، فأراد من واحد منهم الفاحشة فامتنع الخادم واستحيا من الخدم الذين معه في الحمام ، فأمر أبو الجيش أن يدخل في دبره يد كرنيب (٤) غليظ مدور ففعل ذلك به ، فما زال الخادم يضطرب ويصيح في الحمام حتى
__________________
(١) سفاتج جمع سفتجة ، وهو أن يعطي مالا لآخر وللآخذ مال في بلد المعطي فيوفيه إياه هناك ، فيأمن خطر الطريق.
(٢) انظر النجوم الزاهرة ٣ / ٥٣.
(٣) ترجمته في سير الأعلام ١٥ / ٥٣٤.
(٤) على هامش الأصل : «ذنب ورق الكرنب».
والكرنب بالضم : السلق ، أو نوع منه أحلى وأغض من القنبيط ، والبري منه مر (قاموس).
وفي النجوم الزاهرة ٣ / ٦٤ فأمر أن يضرب ، فلم يزل يصبح حتى مات في الحمام.