المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلّوا (١) جميعا بإحرام ، فقلت : مه ، فقالوا : هلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لم يزد عليه (٢).
وقد أخبرناه أبو محمّد عبد الرّحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم ، أنا أبو الفضل أحمد بن علي بن طاهر بن الفرات ، أنا رشأ بن نظيف المقرئ ، أنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني ، أنا أبو سليمان محمّد بن عبد الله بن أحمد بن زبر ، أنا أبي ، أنا محمّد بن عبد السلام البصري ، نا محمّد بن إسحاق المديني ، نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدّثني أبي ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثني أبو الأكارم الهذلي ، عن الهرماس بن صعصعة الهذلي ، عن أبيه أن أبا ذؤيب الشاعر الهذلي حدّثه قال : بلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليل ، وقع ذلك إلينا عن رجل من الحي ، قدم مغتمّا ، فأوجس أهل الحي خيفة ، وأشعرنا حزنا ، فبت بليلة باتت النجوم طويلة الإباء (٣) ، لا ينجاب ديجورها (٤) ، ولا يطلع نورها ، فظللت (٥) أقاسي طولها ، وأقارن غولها (٦) ، حتى إذا كان دوين السفر (٧) وقرب السحر خفت فهتف الهاتف وهو يقول (٨) :
خطب أجلّ أناخ بالإسلام |
|
بين النخيل ومعقد الآطام |
قبض النبيّ محمّد فعيوننا |
|
تذري الدموع عليه بالتّسجام (٩) |
قال أبو ذؤيب : فوثبت من نومي فزعا ، فنظرت إلى السّماء فلم أر إلّا سعد الذابح ، فتفاءلت به ذبحا يقع في العرب ، وعلمت أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد قبض ، أو هو ميت ، فركبت ناقتي وسرت ، فلما أصبحت طلبت شيئا أزجره (١٠) فعنج لي شيهم ـ يعني القنفذ ـ قد قبض على صلّ ـ يعني الحيّة ـ فهو يلتوي عليه ، والشّيهم يقضمه حتى أكله ، فزجرت
__________________
(١) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية.
(٢) الخبر نقله في معجم الأدباء ١١ / ٨٤.
(٣) في معجم الأدباء : الأناة.
(٤) أي لا ينكشف ديجورها.
(٥) الأصل وم : «فظلت» والمثبت عن معجم الأدباء.
(٦) معجم الأدباء : وأقارع غولها.
(٧) معجم الأدباء : السمر.
(٨) البيتان في معجم الأدباء ١١ / ٨٥.
(٩) التسجام : كثرة سيلان الدموع.
(١٠) الزجر : ضرب من التكهن.