ذلك ، وقلت : تلوّي الصّل انفتال الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أوّلت أكل الشّيهم إيّاه غلبة القائم على الأمر ، فحثثت ناقتي ، حتى إذا كنت بالعالية (١) زجرت الطائر ، فأخبرني بوفاته ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك ، فتعوذت من شرّ ما عنّ لي في طريقي ، وقدمت المدينة ، ولأهلها ضجيج بالبكاء ، كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام ، فقلت : مه؟ فقيل : قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجئت إلى المسجد فوجدته خاليا ، فأتيت بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأصبته مرتجا ، وقد خلا به أهله ، فقلت : أين الناس؟ فقيل لي : هم في سقيفة بني ساعدة ، صاروا إلى الأنصار ، فجئت إلى السّقيفة ، فأصبت أبا بكر ، وعمر ، وأبا عبيدة بن الجرّاح ، وسالما ، وجماعة من قريش ، ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة ومعهم شعراؤهم : حسان بن ثابت ، وكعب وملأ منهم ، فأويت إلى قريش ، وتكلّمت الأنصار ، فأطالوا الخطب وأكثروا الصواب ، وتكلم أبو بكر ، فلله من رجل لا يطيل الكلام ، ويعلم مواضع فصل الخصام ، والله لتكلم بكلام لا يسمعه سامع إلّا انقاد له ، ومال إليه ، ثم تكلم بعده عمر بدون كلامه ، ومدّ يده فبايعه ، ورجع أبو بكر ، ورجعت معه.
قال أبو ذؤيب : فشهدت الصّلاة على محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وشهدت دفنه ، ولقد بايع الناس من أبي بكر رجلا (٢) حلّ قداماها ولم يركب ذناباها (٣).
وأنشد أبو ذؤيب يبكي النبي صلىاللهعليهوسلم (٤) :
لما رأيت الناس في أحوالهم (٥) |
|
ما بين ملحود له ومضرّح |
فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت |
|
جار الهموم يبيت غير مروّح |
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها |
|
وتزعزعت آطام بطن الأبطح (٦) |
__________________
(١) اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة ، من قراها وعمائرها إلى تهامة فهي العالية (ياقوت).
(٢) عن هامش الأصل.
(٣) انظر الخبر في أسد الغابة ٥ / ١٠٢ ـ ١٠٣ في ترجمة أبي ذؤيب.
(٤) الأبيات في شرح أشعار الهذليين للسكري ٣ / ١٣٠٧ فيما نسب لأبي ذؤيب من السفر. وسقطت من ديوان الهذليين.
وأسد الغابة ٥ / ١٠٣ ـ ١٠٤ والاستيعاب ٤ / ١٦٥٠.
(٥) أسد الغابة وشرح الأشعار : عسلاتهم.
(٦) الآطام جمع أطم وهي الأبنية المرتفعة كالحصون. والأبطح : المسيل الواضح.