فجالت فالتمست به حشاها |
|
وخر كأنه خوط مريح (١) |
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد (٢) ، أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد ، نا السّكن بن سعيد ، نا العباس بن هشام ، حدّثني أبو عمرو عبد الله بن الحارث الهذلي ، من أهل المدينة ، قال : خرج أبو ذؤيب مع أبيه وابن أخ له ، يقال له أبو عبيد حتى قدموا على عمر بن الخطاب ، فقال له : أي العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟ قال : الإيمان بالله وبرسوله ، قال : قد فعلت ، فأيّه أفضل بعده؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قال : ذلك كان عملي (٣) ولا أرجو جنة ولا أخاف نارا ، ثم خرج فغزا الروم مع المسلمين ، فلما قفلوا أخذه الموت (٤) ، فأراد ابنه وابن أخيه أن يتخلفا عنه جميعا فمنعهما صاحب السّاقة (٥) ، وقال ليتخلف عليه أحدكما ، وليعلم أنه مقتول ، فاتكلا بينهما من يتخلف عليه ، فقال لهما أبو ذؤيب : اقرعا ، فطارت القرعة لأبي عبيد فتخلف عليه ومضى ابنه مع الناس ، فكان ابن أخيه يحدّث قال : قال لي أبو ذؤيب : يا أبا عبيد ، احفر ذاك الجرف برمحك ، ثم اعضد من الشجر بسيفك واجررني إلى هذا النهر ، فإنك لا تفرغ حتى أفرغ ، فاغسلني وكفّني بكفني ، ثم اجعلني في حفيرتك ، وانثل (٦) عليّ الجرف برمحك ، وألق عليّ الغصون والحجارة ، ثم اتبع الناس ، فإن لهم رهجة (٧) تراها في الأفق إذا أمسيت كأنّها جهامة (٨) ، قال : فما أخطأ مما قال شيئا ، ولو لا نعته لم أهتد لأثر الجيش ، وقال وهو يجود بنفسه (٩) :
أبا عبيد وقع (١٠) الكتاب |
|
واقترب الموعود (١١) والحساب |
__________________
(١) لم يرد إلّا العجز في شرح الأشعار وقافيته : مريج.
(٢) الخبر في الأغاني ٦ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.
(٣) الأغاني : عليّ.
(٤) وقيل في موته أنه : مات في غزوة أفريقيا في أيام عثمان بن عفّان.
(٥) أي صاحب مؤخرة الجيش.
(٦) كذا بالأصل والأغاني.
(٧) الرهجة : ما أثير من الغبار.
(٨) الجهامة : السحابة لا ماء فيها.
(٩) البيتان في الأغاني ٦ / ٢٧٩ ومعجم الأدباء ١١ / ٨٩.
(١٠) الأغاني : وقع.
(١١) الأغاني : «الموعد» ، معجم الأدباء : «الوعيد».