ولذلك (١) تقدّم الأمارات المعتبرة على الاصول الشرعيّة ، فإنّه لا يكاد يتحيّر أهل العرف في تقديمها عليها بعد ملاحظتهما ، حيث لا يلزم منه محذور تخصيص أصلا ؛ بخلاف العكس فإنّه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ، كما أشرنا إليه في أواخر الاستصحاب (٢).
وليس وجه تقديمها حكومتها على أدلّتها (٣) ، لعدم كونها ناظرة إلى أدلّتها بوجه.
وتعرّضها لبيان حكم موردها (٤) لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلّتها وشارحة
__________________
(١) لا يخفى : أنّ في المشار إليه بقوله : «لذلك» وجهين :
الأوّل : أن يكون المشار إليه الجمع العرفيّ ، فيكون المعنى : ولأجل كون الدليلين على نحو إذا عرض على العرف وفّق بينهما تقدّم الأمارات المعتبرة على الاصول الشرعيّة.
وعليه ينافي هذا الكلام بظاهره ما تقدّم منه في مبحث الاستصحاب من قوله : «المقام الثاني : أنّه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في صورة ... والتحقيق أنّه للورود».
الثاني : أن يكون المشار إليه هو نفي التعارض بمجرّد تنافي مدلولي الدليلين ، فيكون معنى العبارة : ولأجل عدم التعارض بين الدليلين بمجرّد تنافي مدلوليهما تقدّم الأمارات على الاصول الشرعيّة.
وعليه يكون مراده من تقدّمها عليها هو التقدّم من باب الورود. ولا ينافي ما تقدّم منه في مبحث الاستصحاب. نعم ، ينافي ما ذهب إليه في «درر الفوائد : ١٨٤» من تقدّمها عليها من باب الحكومة.
والأولى حمل كلامه على الوجه الثاني. ويشهد له استدلاله على التقدّم بقوله : «حيث لا يلزم منه ... كما أشرنا إليه في أواخر الاستصحاب». ويشهد له أيضا قوله الآتي : «لا يكاد ترتفع غائلة المطاردة ... إلّا بما أشرنا سابقا وآنفا».
(٢) راجع الصفحة : ٢٧٧ ـ ٢٨٠ من هذا الجزء.
(٣) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث قال : «وإن كان مؤدّاه ـ أي مؤدّى الأصل ـ من المجهولات الشرعيّة ، كالاستصحاب ونحوه ، كان ذلك الدليل حاكما على الأصل ، بمعنى أنّه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل». فرائد الاصول ٤ : ١٣.
(٤) هذا إشارة إلى وهم ، حاصله : أنّ الأمارة ناظرة إلى أدلّة الاصول ، لأنّها متعرّضة لحكم موردها ، فإذا أخبر العادل بحرمة شرب التتن ـ مثلا ـ فمدلوله المطابقي هو حرمة شربه ، ومدلوله الالتزامي هو نفي ما عدا الحرمة ، وهو الحلّيّة الظاهريّة الّتي هي مفاد أصالة الحلّيّة ، ـ