حتى إذا كانت ليلة قمراء إضحيان أقبلت امرأتان من خزاعة فطافتا بالبيت ، ثم ذكرتا أساف ونائلة ـ وهما وثنان كانا يعبدانهما في الجاهلية ـ قال : فأخرجت رأسي من تحت السّتور ، فقلت : احملا أحدهما على صاحبه ، فغضبتا ثم قالتا (١) : أما والله لو كانت رجالنا حضورا ما تكلمت بهذا ، ثم ولّتا ، فخرجت أقفو آثارهما حتى لقينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم امرأ عربيا ، فقال : «ما أنتما؟ ومن أين أنتما؟ ومن أين جئتما؟ وما جاء بكما؟» فأخبرتاه الخبر ، فقال : أين تركتما الصّابئ؟ فقالت : تركناه بين السّتور والبنّاء ، فقال لهما : هل قال لكما شيئا؟ قالتا : نعم ، كلمة تملأ الفم ، قال : فتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم انسلّتا وأقبلت حتى حيّيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسلام ، ثم سلّمت عليه ـ وفي حديث ابن مروان : حتى جئت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم سلمت عليه ـ بعد ذلك ، فقال : «من أنت؟ ومن أين أنت ـ وفي حديث ابن مروان : ومن أنت وقالا : «من أين جئت وما جاء بك» ، فأنشأت أعلمه الخبر ، فقال : «من أين كنت تأكل وتشرب»؟ فقلت : من ماء زمزم ، قال : «أما إنه طعام طعم» ومعه أبو بكر فقال : يا رسول الله ائذن لي أن أعشيه ، قال : «نعم» ، ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمشي ، وأخذ أبو بكر بيدي حتى وقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بباب أبي بكر ، ثم دخل أبو بكر ، ثم أتانا بزبيب من زبيب الطائف ، فجعل يلقيه لنا قبصا قبصا (٢) ، ونحن نأكل حتى تملّانا ـ زاد ابن مروان : منه ـ وقالا : فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا ذرّ» ، فقلت : لبيك ، قال : «إنه قد رفعت لي أرض وهي ذات نخل ولا أحسبها إلّا تهامة ، فاخرج إلى قومك فادعهم إلى ما دخلت فيه» ، قال : فخرجت حتى أتيت أمي وأخي ، فأعلمتهما الخبر ، فقالا : ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلت فيه ، فأسلما ، ثم خرجنا حتى أتينا المدينة ، فأعلمت قومي ، فقالوا : إنّا قد صدّقناك ولكنا نلقى محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، فلما قدم علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقيناه ـ وفي حديث ابن مروان : أتيناه ـ فقالت له غفار : يا رسول الله إنّ أبا ذرّ قد أعلمنا ما أعلمته ، وقد أسلمنا وشهدنا أنك رسول الله ، ثم تقدمت أسلّم خزاعة ، فقالوا : يا رسول الله إنا قد رغبنا ودخلنا فيما دخل فيه إخوتنا وحلفاؤنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أسلم](٣) «سالمها الله ، وغفار غفر الله لها» ،
__________________
(١) عن م وبالأصل : قالت.
(٢) في م : «قبضا قبضا».
والقبضة من الطعام : ما حملت كفاك ، والجمع قبض ، ومثله القبضة (انظر اللسان قبض وقبض).
(٣) سقطت من الأصل واستدركت عن م.