هاشم مالا في الجاهلية ـ : يا أخي قد رأيت ما دخل عليّ ، وقد حضر الموسم ، ولا بدّ لهذه السقاية من أن تقام للحاج ، فأسلفني عشرة آلاف درهم ، فأسلفه العباس إيّاها ، فأقام أبو طالب تلك السّنة بها وبما احتال ، فلما كانت السنة الثانية وأفد الموسم قال لأخيه العبّاس : يا أخي إن الموسم قد حضر ، ولا بدّ للسقاية من أن تقام فأسلفني أربعة عشر ألف درهم ، فقال : إني قد أسلفتك عام أول عشرة آلاف درهم ورجوت ألا يأتي عليك هذا الموسم حتى تؤديها فعجزت عنها ، وأنت تطلب العام أكثر منها ، وترجو ، زعمت ، ألا يأتي عليك الموسم حتى تؤديها فأنت عنها أعجز اليوم ، هاهنا أمر لك فيه فرج أدفع إليك هذه الأربعة العشر ألف فإن جاء موسم قابل ولم توف (١) حقي الأوّل وهذا فولاية السقاية إليّ فأقوم بها وأكفيك هذه المئونة إذ عجزت عنها ، فأنعم له أبو طالب بذلك فقال ليحضر هذا الأمر بنو فاطمة ولا أريد سائر بني هاشم ، ففعل أبو طالب وأعاره العبّاس الأربعة عشر الألف بمحضر منهم ورضى ، فلما كان الموسم العام المقبل لم يكن بد من إقامة السّقاية فقال العباس لأبي طالب : قد أفد الحج وليس لدفع حقي إليّ وجه وأنت لا تقدر أن تقيم السقاية فدعني وولايتها أكفكها وأبرئك من حقي ، ففعل ، فكان العبّاس بن عبد المطلب يليها وأبو طالب حيّ ، ثم تم ذلك لهم إلى اليوم.
أخبرنا أبو الحسين بن الفرا ، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالوا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكّار ، حدّثني محمّد بن حسن ، عن نصر بن مزاحم ، عن معروف بن خرّبوذ قال :
انتهى الشرف من قريش في الجاهلية إلى عشرة نفر من عشرة بطون ، فأدركهم الإسلام ، فوصل ذلك لهم من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب كان قد سقى في الجاهلية الحجيج فبقي ذلك له في الإسلام.
قال : وكانت سقاية الحاج في الجاهلية وعمّارة المسجد الحرام وحلول الثغر في بني هاشم فأما حلول الثغر فإن قريشا لم تكن تملك عليها في الجاهلية أحدا ، فإذا كانت الحرب أفرعوا بين أهل الرئاسة ، فإذا حضرت الحرب أجلسوه لا يبالون صغيرا أو كبيرا ، أجلسوه تيمّنا به ، فلما كان أيام الفجار أفرعوا بين بني هاشم فخرج سهم العبّاس
__________________
(١) بالأصل وم : «توفي» وفي المطبوعة : توفني.