الحرب تجزعت (١) أنفاسها ، وأن الخيل وضعت أحلاسها ، وأن الدين نزل بالبر والتقوى يوم الاثنين مع صاحب الناقة القصوى ، قال : فخرجت مذعورا قد راعني ما رأيت وسمعت حتى أتيت وثنا لنا يدعى الضّمار وكنا نعبده ونكلم من جوفه فكنست وقممت ومسحت ثم قبلته وإذا بصائح يصيح من جوفه :
قبل للقبائل من سليم كلها |
|
هلك الضّمار فاز أهل المسجد |
إن الذي بالفوز أرسل الهدى |
|
بعد ابن مريم من قريش مهتدي |
قال : فخرجت مذعورا حتى جئت ، فقصصت عليهم القصّة وأخبرتهم الخبر ، فخرجت في ثلاثمائة من قومي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدخلت المسجد ، فلما رآني النبي صلىاللهعليهوسلم فرح بي وقال : «يا عباس كيف كان إسلامك؟» فقصصت عليه الخبر فسرّ بذلك ، وقال : «صدقت» [٥٦٩٧].
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو [عمر](٢) بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد (٣) ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني عكرمة بن فروّخ السّلمي ، عن معاوية بن جاهمة بن عبّاس بن مرداس قال : قال عباس بن مرداس : لقيته صلىاللهعليهوسلم وهو يسير حين هبط من المشلّل (٤) ونحن في آلة الحرب ، والحديد ظاهر علينا ، والخيل تنازعنا الأعنّة ، فصففنا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلى جنبه أبو بكر وعمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عيينة هذه بنو سليم قد حضرت بما ترى من العدّة والعدد» فقال : يا رسول الله جاءهم داعيك ولم يأتني ، أما والله إنّ قومي لمعدّون مؤدون في الكراع والسّلاح ، وإنّهم لأحلاس الخيل ورجال الحرب ، ورماة الحدق ، فقال عباس بن مرداس : أقصر أيها الرجل ، فو الله إنك لتعلم أنّا أفرس على متون الخيل ، وأطعن بالقنا ، وأضرب بالمشرفية منك ومن قومك ، فقال عيينة : كذبت ولمت (٥) نحن أولى بما ذكر منك ، قد عرفته لنا العرب قاطبة ، فأومئ إليهما النبي صلىاللهعليهوسلم بيده حتى سكتا.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل الفقيه ، وأبو المظفّر عبد المنعم بن
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، ومرّ في الرواية السابقة : تجرعت.
(٢) سقطت من الأصل وأضيفت عن م.
(٣) الخبر في طبقات ابن سعد ٤ / ٢٧١.
(٤) المشلل : جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر (معجم البلدان).
(٥) ابن سعد : وخنت.