الفضل ، أنا (١) حبش بن موسى ، نا علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني ، قال :
كان أول خبر أبي الهيذام عامر بن عمارة بن خريم المرّي ، وأول ما هاج الحرب بالشام في ذلك أن رجلا من بلقين خرج بحمارين عليهما حنطة له يريد به الرّحا بالبلقاء ، فمرّ بحائط رجل من جذام أو لخم وفيه بطيخ وقثّاء ، فتناول القينيّ منه ، فقال صاحب الحائط : إليك عن متاعنا ، فشتمه القيني واتّخذا ، فمضى القيني ، فطحن ما كان معه ، ثم انصرف وقد أعدّ اليماني قوما ليضربوا القيني ، فلما مرّ بهم بارزوه (٢) فقاتلهم ، وأعانه قوم فقتل رجل من اليمانية ، فطلبوا بدمه ، واجتمعوا وانضمّ بعضهم إلى بعض والأمير بدمشق عبد الصّمد بن علي ، فلما خاف الناس أن يتفاقم الأمر خرج رجال من أهل الحجى والفضل ليصلحوا بينهم ، فخرج من قريش ثلاثة نفر ومن قيس ثلاثة ، ومن قضاعة ثلاثة ، ومن أهل اليمن ثلاثة ، فأتوا القين فكلّموهم ، فقالوا : الأمر إليكم ، أعطوا عنا ما أحببتم ، فأتوا اليمانية ، فكلّموهم فقالوا : انصرفوا عنّا حتى ننظر فيما جئتم له ، فانصرفوا إلى رحالهم ، فلم يشعر القين إلّا بالخيل تدوسهم ، فناشدهم الله الوفد الذين سفروا بينهم فلم يقبلوا فقتلوا من القين ستمائة ، ويقال ثلاثمائة ، وأصيب معهم رجل من قيس يقال له البهلول ، مرّ بنسوة على فرسه فقلن له : يا فتى إنّك لحسن اللّمّة والعدّة ، كريم الغرس ، فإلى من تدعنا ، فنزل فقاتلهم (٣) عنهم فقتل ، فاستنجدت القين قضاعة وسليح فلم ينجدوهم ، فأتى قيسا فاستنصرهم ، فأجابه (٤) وأجابه خمسون رجلا من كلب من بني عامر بن عوف ، وأعانوه ، فخرجوا إلى العواليك من أرض البلقاء ، فقتلوا من اليمانية ستمائة وأتوا الربّة (٥) فقتلوا من اليمانية ثمان مائة ثم انصرفوا ، وكثر القتال بينهم ، فالتقوا مرات ، وعزل عبد الصمد بن علي عن دمشق ، وقدم إبراهيم بن صالح عاملا عليها ، وهم على ذلك الشرّ ، فكان ذلك نحو من سنتين ، والتقوا بالبثنية (٦) فقتل من اليمانية ثمان مائة ، ثم تداعى القوم بعد شرّ طويل إلى الصّلح ، فاصطلحوا.
__________________
(١) في المطبوعة : نا.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : ثاوروه.
(٣) في المطبوعة : فقاتل.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : فأجابوه.
(٥) في م : الرابة.
والربة : قرية في طرف الغور بين أرض الأردن والبلقاء ، وهي عين الربة (انظر معجم البلدان).
(٦) البثنة ، وهي البثنية : اسم ناحية من نواحي دمشق ، وقيل : هي قرية بين دمشق وأذرعات (ياقوت).