من عامر بن عمارة لأهل قرية كذا وكذا : أن عليكم العتاق والطلاق ، إن غششتم معدّيا في سرّ ولا علانية ، وأن توالوا من والاهم ، ويعادوا من عاداهم ، ويقاتلوا معهم من ناوأهم ، فإن نكثتم أو غيّرتم أو نقضتم فقد وجبت عليكم الأيمان ، وسفك الله دماءكم ولا عهد لرجل منكم ولا ذمة عندي.
فمكثوا خمسة عشر ليلة أو قريب من ذلك قد أمنوا ، وسكن الناس وفرّق أبو الهيذام جنوده ، فانصرف بشر بن أزهر إلى حوران ، ومخلد بن علاط ، وابنه خريم بن أبي الهيذام فانصرف أهل حوران وأهل القرى وبقي في نفر يسير من أهل دمشق ، فطمع فيه إسحاق والجنود ، وجاء أهل الأردن وفلسطين إلى إسحاق بكتاب أمير المؤمنين ، وقيل لإسحاق : لم يبق مع أبي الهيذام أحد فأعطى القواد السلاح والأموال ليواقع أبا الهيذام ، فأتاه العذافر رجل من الأزد وخاله عليّ السكسكي ، فقال لإسحاق : أنا أكفيك الأمر ، فأجازه بثلاثمائة دينار ليلا ، وكان من فرسان أهل خراسان ، ثم أصبح الناس وهم لا يرون أنه يكون بينهم قتال ، فخرج تسعة فوارس لأبي الهيذام إلى الراهب ، فأتوا منزل رجل يقال له ابن عقيبة ، ادّعى إلى اليمن ، فنذر بهم ، فخرج إلى عسكر إبراهيم بن حميد ، فتلقاه العذافر فقال : ارجع أنا أكفيك ، فرجع فنادا العذافر في أهل خراسان فاتّبعه نحو من ثلاثمائة ، فخرج إلى فوارس أبي الهيذام الذين بالراهب ، فلما لقوهم شدّوا عليهم فانهزم العذافر وأصحابه ، ورجع فوارس أبي الهيذام إليه ، ونشبت الحرب بين أبي الهيذام والجند من صلاة الظهر حتى أمسوا ، وشدت فوارس لأبي الهيذام على الجند فجالوا طويلا ، ثم تراجع القوم ، وانصرف الجند عن أربعمائة جريح ، ولم يكن بينهم قتل وذلك يوم الجمعة النصف من صفر ، ثم أصبحوا يوم السبت ، لم يكن بينهم حرب حتى اصفرّت الشمس ، فلما اصفرّت خرج إسحاق فناهض المدينة ، وأبو الهيذام في سبعة وستين فارسا ، فقاتله عامة الليل ، وأوقد أبو الهيذام على مانع خلاطه وأرسل إلى محلة لقيس فأصبح أبو الهيذام يوم الأحد وقد أتاه ثلاثة فوارس ، وغاداه إسحاق في اثني عشر ألفا وخيل أبي الهيذام سبعون فارسا ، وجاءت اليمانية مع الجند بما لا يحصى عدده ، فأتاه إسحاق من باب الشرقي ، وجاء العذافر من باب الجابية ، فأحرق مسجدا (١) على باب الجابية ، فقيل ذلك لأبي الهيذام ، فقال : دعوهم حتى يستوجبوا الخزي
__________________
(١) عن م وبالأصل : «مسجد».