فتحركت همته لتصحيحها ، وأحضر الحدادين والسباكين ، وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار ، ورسمها بطريق الاستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي ، ولم ينقص هذا من إلمامه بالعلوم الدينية ، بل كان حجة في الفقه وغيره من هذه العلوم ، حتى إن القضاة لم يكونوا يثقون إلا بفتواه ، وكانت وفاة هذا العالم الأزهري سنة ١١٨٨ ه ـ ١٧٧٤ م ..
ـ ٢ ـ
وقد نعى الشيخ حسن العطار على الأزهر إهماله هذه العلوم وسواها وذلك في حاشيته على شرح جمع الجوامع في أصول الفقه (١) وكان من تلامذة العطار رفاعة رافع الطهطاوي الأزهري ، الذي سافر مع بعثات محمد علي إلى باريس ، وله كتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» وكتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ، الذي يقول فيه عن محمد علي وعهده (٢) إنه جدد دروس العلوم بعد اندراسها ، وأوجدت بعد العدم رؤساء العلماء والفضلاء نتيجة قياسها ، لقصد انتشار العلم والزيادة في الفضائل ، فأتى من ذلك بما لم تستطعه الأوائل ، غير أنه ـ حفظه الله وأبقاه ـ ولو أنه أعلى منار الوطن ورقاه. لم يستطع إلى الآن أن يعمم أنوار هذه المعارف المتنوعة بالجامع الأزهر الأنور ، ولم يجذب طلابه إلى تكميل عقولهم بالعلوم الحكمية التي كبير نفعها في الوطن ليس ينكر ، نعم إن لهم اليد البيضاء في إتقان الأحكام الشرعية العملية والاعتقادية ، وما يجب من العلوم الآلية كعلوم العربية الإثني عشر ، وكالمنطق والوضع وآداب البحث والمقولات وعلم الأصول المعتبر ، غير أن هذا وحده لا يفي للوطن بقضاء الوطر ، والكامل يقبل الكمال كما هو متعارف عند أهل النظر ، ومدار سلوك جادة الرشاد والإصابة ، منوط بعدول الأمر ، بهذه العصابة ، التي ينبغي أن
__________________
(١) ٤٦١ / ٢.
(٢) ٢٨ تاريخ الإصلاح في الأزهر للصعيدي ، ٢٤٧ ـ ٢٥٠ مناهج الألباب المصرية لرفاعة.