مع غاية الديانة والصيانة ، وله بعض تآليف في الطب وغيره ، زيادة عن تآليفه المشهورة ، فلو تشبث من الآن فصاعدا نجباء أهل العلم الأزهريين بالعلوم العصرية التي جددها الخديو بمصر ، بإنفاقه عليها أوفر أموال مملكته ، لفازوا بدرجة الكمال ، وانتظموا في سلك الأقدمين من فحول الرجال ، وربما يتعللون بالاحتياج إلى مساعدة الحكومة ، والحال أن الحكومة إنما تساعد من يلوح عليه علامات الرغبة والغيرة والاجتهاد ، فعمل كل من الطرفين متوقف على عمل الآخر ، فترجع المسألة دورية ، والجواب عنها أن الحكومة قد ساعدت بتسهيل الوسائط والوسائل ، ليغتنم فرصة ذلك كل طالب وسائل ، وكل من سار على الدرب وصل ، وإنما المكافأة على تمام العمل.
ـ ٣ ـ
وقد ازدهر القرن التاسع عشر بكوكبة من المصلحين ، من أمثال الأفغاني (١٨٣٩ ـ ١٨٩٧ م) وعلى مبارك (١٨٢٣ ـ ١٨٩٣ م) والسيد عبد الرحمن الكواكبي (١٨٤٨ ـ ١٩٠٢ م) والشيخ محمد عبده (١٨٤٩ ـ ١٩٠٥ م) ، وكان هؤلاء المصلحون يتجهون أول ما يتجهون إلى إيقاظ الفكر المصري والعربي ، وإلى تجديد النهضة الدينية.
ولما حضر جمال الدين الأفغاني إلى مصر لأول مرة سنة ١٢٨٦ ه أقام في القاهرة أربعين يوما ، تردد فيها على الجامع الأزهر ، واتصل به كثير من العظماء والطلاب ، ثم ترك القاهرة إلى الأستانة ، فوصل إليها في سنة ١٢٨٧ ه ، ولكن الدسائس أحاطت من كل جانب ، ومن أجل ذلك عاد جمال الدين إلى القاهرة في أوائل سنة ١٢٨٨ ه ، فأكرمه إسماعيل ، وأجرى عليه راتبا يليق به ، فجعل من بيته مدرسة يقصدها النابهون من طلاب العلم في الأزهر وغيره ، وكان يدرس لهم أمهات الكتب في علم الكلام والحكمة والهيئة والتصوف وأصول الفقه ، ولم يكن يقصد من دروسه