التعليم فقط ، بل كان يقصد منها الدعوى إلى الإصلاح ، وفتح باب الاجتهاد في الدين والعلم وبث الأخلاق العالية في النفوس ، وكان إلى هذا يرشد الطلاب إلى مطالعة كتب الأدب ، ليتعلموا منها حسن الكتابة والإنشاء ، ويستطيعوا أن ينهضوا بالأمة بالكتابة في الجرائد وغيرها ، فأيقظ النفوس من غفلتها ، وفتح عيون الطلاب في الأزهر لضعف التعليم فيه ، حتى ألفوا من بينهم جماعة تسعى في إصلاحه ، وكان أول ما عملوه كتابة منشور علقوه على أعمدة الأزهر في سواد الليل ، وبينوا فيه مواضع الخلل في التعليم بالأزهر ، وشرحوا الوسائل التي تؤدي إلى إصلاحه ، فبدأ جمال الدين بدروسه في الإصلاح ، الجهاد في إصلاح الأزهر ، وأوجد من أبنائه وغيرهم من يعمل فيه بكل ما يمكنه من الوسائل التي توصل إليه.
وكان نشاطه التعليمي ذا شعبتين : دروس علمية منظمة يلقيها في بيته (في خان الخليلي) ، وكان يتلقاها أمثال الشيخ محمد عبده ، والشيخ عبد الكريم سلمان ، والشيخ سعد زغلول ، والشيخ إبراهيم الهلباوي من مجاوري الأزهر وعلمائه ، وكان يدرس لهم كتب منطق وفلسفة وتصوف وهيئة ، ويظهر أن هذه الكتب لم تكن لها قيمة في ذاتها ، وإنما قيمتها كانت فيما يضيفه عليها الشيخ في شرح آرائه وأفكاره ، والتبسط في مناحي الفكر ، والتطبيق على الحياة الواقعية ، بربط الحياة العملية بالعلمية ، هذا إلى أنه كان يأخذ بيد تلاميذه ، فيجعلهم يسيطرون على الكتاب ، ويسمون عن قيود الألفاظ والجمل إلى معرفة الحقائق ذاتها ، يحدد لهم موضوع الدرس من الكتاب ، ويفيض عليهم في شرحه من عنده حتى يحيطوا به ، ويتفهموه من جميع أطرافه.
وكانت مدرسته الثانية غير النظامية أكبر أترا وأعم نفعا ، وكان تلاميذه فيها زواره في بيته أو في بيوتهم حين يزورهم ، ومن يلتقي بهم في (قهوة البوستة) وفي المجتمعات من أمثال : محمود سامي البارودي ، وعبد السلام المويلحي وأخيه إبراهيم المويلحي وسعد زغلول ، ومحمد عبده