وعلي مظهر ، وأديب إسحق وغيرهم. وفي هذه المدرسة حول مجرى الأدب ونقله من حال إلى حال ، كان الأدب عند الحكام لا هم له إلا مدح الملوك والأمراء ، والتغني بأفعالهم وصفاتهم ، فأتى جمال الدين وسخّر الأدب في خدمة الشعب ، يطالب بحقوقه ، ويدافع عنه من ظلمه ، يبين للناس سوء حالتهم ، ويبصرهم بمن كان سبب فقرهم ، ويحرضهم أن يخرجوا من بؤسهم وضلالهم وألا يخشوا بأس الحاكم فليست قوته إلا بهم ، فكان أدبه ينظر للشعب أكثر مما ينظر إلى الحاكم ، وينشد الحرية ويفيض في حقوق الناس وواجبات الحاكم ، ويجعل من الأديب مشرفا على الأمراء ، لا سائلا يمد يده للأغنياء ، كنت تتصفح آثار الأدباء أمثال : السيد على أبي النصر ، والشيخ علي الليثي وعبد الله باشا فكري ، فلا ترى موضوعاتهم غير غزل في حبيب ، أو رسالة إلى صديق ، أو مدح لأمير ، أو استعطاف له ، أو اعتذار إليه ، أو وصف سفينة ، أو شكر على هدية. أما مصر وحال شعبها ، وبؤس أهلها ، وظلم حكامها ، وحقوق الناس ، وواجبات الحكام ، فلا ترى لذلك أثرا. فقلب جمال الدين هذا الوضع وفتح للأدباء منافذ القول ، وكانت خطته في ذلك ما يأتي :
١ ـ كون جماعة حبب إليهم الكتابة ، ورسم لها خطتها وأوحى إليهم بالمعاني وشجعهم على إنشاء الجرائد ، يكتب فيها ، ويستكتب القادر منهم ، فأنشأ أديب إسحق جريدة «مصر» في القاهرة ، و «التجارة» بالأسكندرية ، وكان جمال يكتب فيها أحيانا باسم مستعار أو باسمه الحقيقي وقد كتب مقالين : أحدهما في الحكومات الشرقية وأنواعها ، والثاني سماه «روح البيان في الأنجليز والأفغان» كان لهما صدى بعيد ، ولقيت الصحيفتان رواجا كبيرا ، ثم أغلقهما رياض باشا وكذلك وجه الكتاب في «الوقائع المصرية» وغيرها ، وبذلك ربى طائفة من الكتاب تحسن الكتابة» واختيار الموضوعات ، ووضع النواة الأولى للصحافة الشرقية والكتاب الذين يعالجون شئون وطنهم وحالة شعوبهم ، والذي ساعده على النجاح في ذلك