حال مصر المالية والسياسية وتدخل الأجنبي فيهما وجزع الشعب والحاكم معا لذلك فشجعوا هذا النقد من الصحافة ، ولو لا ذلك لخابت دعوة جمال الدين في مصر كما خابت في غيرها.
٢ ـ أحاديثه في المقهى وفي المحافل وبيوت الزيارة ، تواتيه المعاني ، ويطاوعه اللسان ، فيخلق أمتع الأحاديث ، ويحدث كل من بمجلسه بلسان عربي مبين ، فيدهش السامعين ، ويفحم السائلين ، ويبكم المعترضين ، وبذلك خرج مدرسة عجيبة تحسن السمر والحديث والاستطراد ، وتملك على السامع لبه من أمثال محمد عبده ، وسعد زغلول ، والهلباوي ، ولطفي السيد ، وغيرهم.
وهكذا بدأ جمال الدين تعليمه في حجرة ثم في مقهى أو مجتمع ، ثم في محفل يريد توسيع العقول ، وتعليم الحرية في البحث والنقد ، وتبصير الشعب بحقوقه وواجبات الحاكم نحوه ، ويضع يده في صميم السياسة فيريد أن يسيطر على الوزارات والحكومة بمحفله ، ورأى أول أمره أن لا قيمة لمجلس النواب ما دام الشعب غافلا جاهلا ، فلما نضجت الأمة واستبد الحكام ، غير رأيه وألح في طلب الحكم النيابي وحرض عليه. وكان يلتقي بالأمير توفيق في المحفل فيقدره ويدين بمبادئه ، ولكنه لما تولى الحكم بعد إسماعيل دس له الدساسون ، فاجتمع مجلس الوزراء وقرر نفي جمال الدين فقبض عليه في ٢٤ أغسطس سنة ١٨٧١ ، ونفى إلى بمباي في الهند ، وكان ذلك آخر عهد له بمصر.
وسافر الأفغاني إلى لندن عام ١٨٨٣ ومنها إلى فرنسا ، ووافاه إليها تلميذه وصديقه الشيخ محمد عبده وكان منفيا في بيروت. وأخذا يتشاوران فيما يعملان من وجوه الإصلاح ، وكان من رأى الشيخ محمد عبده بعد ما رأى من غدر الناس في ثورة عرابي أن يذهبا إلى مكان بعيد ، ينشئان فيه مدرسة للزعماء يختاران لها أنجب التلاميذ من الأقطار الإسلامية ،