والذين يتأملون هذه الصورة الفقهية ويقيسونها إلى ما يتراءونه اليوم في دنيا الناس من الحديث عن الحرية والتشدق بها. لا يكادون يجدون لها مثيلا في خيال شاعر أو قلم كاتب أو واقع شعب.
ووجه القوة هنا أن الفقيه المسلم وضع تعصبه للحرية قبل تعصبه لدينه على ما في التعصب للدين من قوة قاهرة وسلطان عظيم.
وأما الدعامة الثانية : وهي العدالة الاجتماعية فإنها تستند في نفس المسلم الى العقيدة التي يدين الله عليها. وتطرق سمعه كل يوم آيات الله في الدعوة الى العدل واحترامه وتكريمه بحيث يرى الدنيا بغير عدل شبحا بغير حقيقة وجسما بغير روح.
ومن أفضل ألوان العدل التي جاء بها الإسلام العدل في توزيع الثروة ويعتبر من أدق صور العدل في المجال الاقتصادي. وكذلك من أجل ألوان العدل التي جاء بها الإسلام أيضا العدل الذي يقوم على التفاضل بين الناس على قدر ما يقدم الإنسان للمجتمع من خير وليس على قدر انتسابه إلى لون خاص أو جنس خاص أو عرق خاص. فذلك قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
فهذه الصورة من العدل الذي دعا إليه الإسلام وقامت بالدعوة إليه جامعة الأزهر مدة ألف عام أمانة في أعناقنا ، لا لشعوبنا وحدها ولكن للإنسانية جمعاء.
فإن الإنسانية لم تتعرض لمحنة بالغة وابتلاء شديد كما تعرضت لمحنة التفاضل بالألوان والأجناس والعروق. فإذا كان لا بد للناس أن يطلبوا السعادة وأن يحرصوا عليها فلا بد لهم قبل كل شيء أن يعملوا على وأد هذه الثغرة ، وخنق الدعوة إلى العنصرية القائمة على الأجناس والألوان والعروق.