إلى الأزهر وازعجت هذه الأحداث الفرنسيين ، فنزحوا عن البلاد نهائيا بتسليم الجنرال (مينو) في شهر ربيع الآخر سنة ١٢١٦ ه (سبتمبر سنة ١٨٠١ م) بعد أن مكثوا بها ثلاث سنوات وبضعة أشهر ، أرهقوا فيها أهل البلاد عامة من أمرهم عسرا ، ونالوا من قداسة الجامع الأزهر وكرامة أهله.
في عهد محمد علي
فلما آل حكم الديار المصرية إلى «محمد علي» سنة ١٢٢٠ ه (١٨٠٥ م) لم يجد الأزهر عطفا من النهضة القومية في بادىء الأمر ، ولم يحفظ سيد البلاد الجديد الجميل لعلماء الأزهر الذين ارتقى على أكتافهم إلى منصب الولاية ، وابتدأ عهده بالاستيلاء على أملاك الأزهر الخاصة الواسعة ، وفقد الأزهر بسبب اغتصاب أوقافه أهم موارده المالية ، ومع ذلك فإن رغبة محمد علي في الإصلاح ، وفي إقامة بناء دولته الجديدة على أسس سليمة جعلته يرغب في الاسترشاد بالأفكار الأوروبية ، فاتجه إلى إرسال البعوث العلمية إلى الخارج ، فأنشأ في سنة ١٢٤٢ ه (١٨٢٦ م) البعثة العلمية إلى باريس ، واختار لها نخبة من أنجب طلاب الأزهر ليتلقوا العلم على أساليب جديدة (١) ، فكانت هذه خطوة عملية نحو إصلاح الأزهر وإدخال أساليب البحث الحديث فيه ، والاهتمام بالعلوم الحديثة التي كانت مهملة ، غير أن الأزهر لم يستجب لهذه المحاولة ، وظل متمسكا بأسلوبه القديم ، كما عارض رجاله بشدة دعوة الزعيمين جمال الدين الأفغاني ، والشيخ محمد عبده في إصلاح الأزهر ، وضاعت جهودهما في سبيل إصلاح الأزهر هباء ، وإن كانت دعوتهما قد أثمرت في خارجه حيث وجدت استجابة من بعض شباب البلاد ، ونشأ جيل من المفكرين الأحرار شارك فيما بعد في إصلاح الأزهر.
__________________
(١) من بين أعضاء هذه البعثة ، رفاعة بك الطهطاوي الذي عد شيخ المترجمين ، وإبراهيم بك النبراوي أحد نوابغ البعثة الطبية ، وأحمد حسن الرشيدي بك من أكابر خريجي مدرسة الطب ، والبعثات ، وغيرهم كثير ، كان لهم جميعا على النهضة المصرية فضل كبير.