الشراح والدارسون والمعلقون من بعد ، فكان من أصول كتب الدراسة بجامع الزيتونة ، قرونا متتالية ، ومرجع القضاء والفتوى الذي لا محيد عنه وكان حفظه متنا عن ظهر قلب شائعا بين الطلبة. وصارت شروحه التي صنفت من بعد بمصر.
وقابل ظهور خليل بمصر ظهور شيخ الزيتونة وإمامها : ابن عرفة بتونس (١) واشتهاره بتحقيق الفقه المالكي ، نظرا ونقلا ، وتصنيفه المختصر الذي قال فيه الأبي : «ما وضع في الإسلام مثله لضبطه فيه المذهب مسائل وأقوالا مع زوائد مكملة والتنبيه على مواضع مشكلة وتعريف الحقائق الشرعية» : فكانت سمعة ابن عرفة وشهرة كتبه بالغة إلى مصر ، ثم كانت رحلته بنفسه ، وأخذ الكثيرين بمصر عنه ، ومنهم الحافظ ابن حجر ، ورحلة طلبته من بعده ، وأخذهم عن المصريين ، وأخذ المصريين عنهم ، ذات أثر في وصل ما بين الطريقتين طريقة ابن عرفة ، وطريقة خليل ، وصلا ظهر بصورة جليلة في شرح ابن مرزوق على المختصر ، إذ كثيرا ما اعتمد في شرح كلام خليل على استظهارات ابن عرفة ، كما ظهر الاتصال بين الطريقتين أيضا في كتاب الشامل للشيخ بهرام ، كثيرا ما أشار إلى تحقيقات ابن عرفة ، كما نبه على ذلك شراحه (٢) ومن يومئذ أصبح لا يرى شرح لمختصر خليل ، ولا حاشية على شرح له ، إلا ومدار التحقيق على كلام ابن عرفة.
وهذا الذي حصل في الفقه المالكي ، في القرن الثامن ، من التواصل الأزهري الزيتوني قد حصل مثله أيضا في علوم العربية. فقد ظهر بمصر ، في ذلك القرن ، إمام العربية : أثير الدين أبو حيان ، وقد مر ذكر أخذه عن ابن عصفور بتونس ، وجمال الدين بن هشام ، فأظهرا في علم النحو آثارهما
__________________
(١) ترجمته في الديباج ص ٣٣٧ ونيل الابتهاج ص ٢٧٤ ط السعادة وفي نيل الابتهاج أخذ ابن حجر عنه بنقل تصريح ابن حجر بذلك في أنباء الغمر.
(٢) الكامل على الشامل للسخاوي مخطوط.