الجليلة جمعا وتحقيقا وحسن تصنيف فكانا فرسي رهان في خدمة العربية مواصلة لطريق ابن مالك ، واتقانا لأثره ، وكان ما بينهما. من كثرة المخالفة وتراد المباحث عتنا مع أبي حيان بابن عصفور ، يضع مباحث ابن عصفور بينهما على بساط المجادلة.
واختصت كتب ابن هشام بالإقبال عليها ، ولا سيما كتاب «مغنى اللبيب» فقد اشتهر وذاع صيته بالزيتونة منذ القرن الثامن ، في حياة مؤلفه الذي يقول ابن خلدون عنه (١) : «وصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الإعراب فأتى من ذلك بشيء عجيب دل على قوة ملكته واطلاعه» فدخل «مغنى اللبيب» في كتب الدراسة بالزيتونة من أوائل القرن التاسع ، درسه الحفيد ابن مرزوق ، وكان قد تلقاه بمصر عن ابن المؤلف الشيخ محيى الدين بن هشام (٢) واشتهرت دراسة المغنى والاعتماد عليه ، وقد ألف الشيخ محمد الرصاع ، في منتصف القرن التاسع كتابه في ترتيب آي مغنى اللبيب ، فنوه فيه باشتهار كتب ابن هشام ، ولا سيما المغنى ، وتتابع العلماء على التسليم بعظيم قيمته من قديم ، كما صرح بما يشهد لرواج كتب أبي حيان ، وخصوصا تفسيره البحر المحيط ، والاعتناء بما في جامع الزيتونة واعتماد المدرسين عليه وعلى الزمخشري في تفسير القرآن (٣) وكان ذلك في الوقت الذي يدرس فيه المغنى بالجامع الأزهر : فقد ذكر بدر الدين الدماميني في حاشيته على المغنى ، المعروفة بالحواشي المصرية (٤) أنه قرأ المغنى بالأزهر في مدة مائة وثلاثين يوما سنة ٨١٢ ه.
__________________
(١) ص ٤٨١ ج ١ بولاق.
(٢) نيل الابتهاج ص ٢٩٧ هامش الديباج ط السعادة.
(٣) ذكر من ذلك بحثه مع شيخه ابن عقاب في درسه للتفسير سورة آل عمران قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) والكتاب مخطوط.
(٤) مخطوط المكتبة العبدلية بتونس.