الثاني عشر ، قوية نامية متتالية ، وفيه شد كثير من التونسيين الرحلة إلى الأزهر لاستكمال تخرجهم فيه بالأساتذة الأعلام الذين كانت سمعتهم السائرة تجلب إليهم الشادين في طلب العلم من الآفاق ، لا سيما وقد أثرت القرون الماضية في تشابه مناهج الدراسة ، واتحاد الكتب التي يزاولها الدارسون ، ويعتني بتقريرها والتعليق عليها المدرسون ، والشراح ، والمحشون ، فمختصر خليل ، وكتب القرافي ، والبيضاوي ، وكتب ابن هشام ، وشرح الأشموني على الألفية ، وكتب العضد ، والتفتازاني ، وكتب ابن حجر والسيوطي ، والقاضي زكرياء ، وأسانيد هؤلاء الثلاثة الأخيرين ذكرا ، هي التي كان عليها مدار الدراية والرواية ، على السواء ، بمصر وبتونس ، وعليها عكف الطلبة ، وبها تخرج العلماء في المعهدين العظيمين : الأزهر والزيتونة. ففي الوقت الذي أقبل فيه الشيخ محمد بن سعيد الحجري ، الملقب بالنحم الثاني على جامع الزيتونة ، آتيا من قرية أبي حجر ، في الساحل الشرقي التونسي ، كان اثنان من تلك البلاد الساحلية نفسها قد وفدا على الجامع الأزهر : وهما الشيخ محمد سعادة والشيخ عبد الرحمن بن جاد الله البناني. أما الشيخ محمد سعادة فقد رجع إلى تونس مملوء الوطاب ، متين الأسباب ، من دروس الشيخ محمد الزرقاني ، والشيخ أحمد الفقهيه ، والشيخ عبد الرءوف البشبيشي ، ومن أسانيد الشيخ علي الطولوني ، والشيخ عبيد النمرسي (١).
وأما الشيخ البناني فقد أقام بمصر ، وكان من أعظم علماء الأزهر وأكثرهم طلبة وأبعدهم شهرة ، ناهيكم بشرحه على المحلي ، وتقريراته على شرح التفتازاني على التلخيص.
ولقد كانت الكتب التي اعتنى بها كل واحد من هؤلاء الثلاثة : هي الكتب التي اعتنى بها بقيتهم في الزيتونة وفي الأزهر : الأشموني ، ومختصر
__________________
(١) ترجمته في ذيل البشائر ص ١٦٠ ط تونس.