وزاد في قوة انجذاب الزيتونيين إلى الأزهر في هذا القرن الثاني عشر أن حفلت مصر بمقدم أسانيد في البلاد الشرقية بلغت سمعتهم عنان السماء ، يعتبر في مقدمتهم شهرة وعلو مقام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي فقد تسابق الناس للأخذ عنه ، وتزاحموا على مجالس إملائه ، حتى كان القاصدون إلى الحج ـ ولو من غير خاصة الطلبة يغتنمون إقامتهم بمصر عابرين لحضور مجالسه الجامعة ويكتب لهم الشهادة بالسماع ، والإجازة ، وبذلك شاعت الرواية عنه ، وانتشر خطه في الإجازات والأثبات وكتب السنة المقروءة عليه. ومن أخص تلاميذه من شيوخ الزيتونة الشيخ عمر بن المؤدب ، والشيخ محمد بن حمودة الصفار ، وأبناء الشيخ الغرياني ، بل إن عامة طلبة جامع الزيتونة في ذلك العصر يعتبرون طلبة له ، لأنه كتب في إجازته لأبناء الشيخ الغرياني : كذا أجزت لطلبة العلم الملازمين في حلقة دروس والدهم وسائر أحبابهم وأصحابهم ممن فيه أهلية التحمل لهذا العلم (١) وقد كان الشيخ مرتضى أخذ عن الشيخ الغرياني ، كما أخذ عن الشيخ أحمد بن عبد الله السوسي من علماء الزيتونة وعن هذا الاتصال المحكم بين الأزهر والزيتونة ، في القرن الثاني عشر ، تولدت صلات أشد إحكاما ، وروابط أتم انتظاما ، في القرن الثالث عشر ؛ فقد استهل ذلك القرن وسمعة أعلام من الأزهريين قد ضربت ما بين المشرق والمغرب ؛ بكتبهم القيمة التي شاعت في عصرهم وعم الإقبال عليها : مثل الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي ، الذي عظمت شهرة دروسه وأسانيده وكتبه واعتمدت حواشيه ، ولا سيما حاشيته على شرح الدردير على المختصر الخليلي ، التي اعتمدها فقهاء الزيتونة ، في الدروس والفتاوى والأحكام ، وعلقوا عليها ، وجاذبوا مؤلفها بحوثه ونقوله : وتحقيقاته فكان شيخ الإسلام أحمد بن حسين ، والشيخ المفتي محمد الشاهد ، وغيرهما من شيوخ المذهب المالكي في أواسط القرن الثالث عشر ، يعتمدون كلام الشيخ
__________________
(١) بخطه في مكتبتنا.