من يعد في لغته كاتبا أو شاعرا أو قصاصا أو مؤلفا ، وهو لا يعرف من قواعدها الأساسية ما يقيم لسانه وقلمه ، وإذا كان الناس يقرءون الصحيفة أو الكتاب ولا يقعون فيها على الخطأ الذي يفضح المستور ويكشف الغش فالفضل لأولئك الجنود المجهولين من الأزهريين الذين يرابطون ليل نهار في دور الصحافة والنشر ويسمونهم المصححين ؛ فإنهم يمرون بأقلامهم الحمر على المعوج فيستقيم ، وعلى المعجم فيعرب ، وعلى الركيك فيقوى.
لا بأس أن ييسر النحو والصرف والبلاغة على الطلاب : ولكن البأس كله في المدى الذي بلغه هذا التيسير ، لا بأس أن نخفف على غير المتخصصين من عبء التقديرات والتعليلات التي فلسف بها النحاة النحو ، ومن حفظ وجوه الإعراب التي بقيت في اللغة أثرا لاختلاف اللهجات في الجاهلية فهو شت القواعد وجعلت كل خطأ صوابا وكل صواب خطأ ، ولكن البأس كله في أن تجرد علوم العربية من خصائص القوة والخصوبة والبراعة لتصبح أشبه بالهيكل العظمي ، فيه الخفة والبساطة والشكل ، وليس فيه العضل والعصب والروح. إن ما يبقى من هذا المنقوص بعد النسيان ، لا تحيا به لغة ولا يبقى عليه أدب ، فإذا استطاع يوما أن يجيز امتحانا أو ينيل شهادة فلن يستطيع أبدا أن يخرج أمثال من خرجهم الأزهر بشيوخه وكتبه ، كمحمد عبده ، وسعد زغلول ، والمنفلوطي ، والبشري ، وطه حسين ، ولا أمثال من خرجتهم دار العلوم كشاويش ، والمهدي ، والخضري والسكندري والجارم ولا أمثال من خرجتهم مدرسة القضاء الشرعي. كأحمد أمين وعزام والخولي. ولا أمثال من خرجتهم دار المعلمين العليا ، كالمازني وشكري وأبو حديد. ولا أمثال من خرجتهم كتب الأزهر كالعقاد ، والرافعي ، وشوقي ، وحافظ في مصر. وكالبستانيين واليازجيين والشدياق ومطران والخوري في لبنان. وكالمغربي والشهابي ، وجبري ، والطنطاوي ، في سوريا. وكالرصافي ، والزهاوي وكاشف الغطاء ، والشبيبي ، والأثري في العراق ، وكالنشاشيبي والسكاكيني في فلسطين.