الأزهرية عرضا جميلا مشوقا في الدروس والمحاضرات والمذكرات والكتب كان ذلك عسيا أن يدنى قطوفها من الطلاب على غير مؤونة ولا كد ذهن.
إن رسالة الأزهر قائمة كما قلت على ركنين من دين ولغة ، ولكن الأمر في تأديته إياها جد مختلف. الدين كامل لأنه من عمل الله ، واللغة ناقصة لأنها من عمل الإنسان ، والكامل الإلهى لا يتأثر بالمكان ولا بتغير بالزمان ولا يضيق بالحضارة ولا يبرم بالعلم ، فهو جديد أبدا ، صالح أبدا ، ثابت أبدا. أما الناقص فهو عرضة للفساد والجمود والتخلف ، وموضع للزيادة والتجديد والتطور ، لذلك كان الاجتهاد في اللغة وعلومها أمرا تحتمه الضرورة وتقتضيه الطبيعة ؛ لأن اللغة لا يمكن أن تثبت ثبوت الدين ، ولا أن تستقل استقلال الحي ، فهي ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ، والأغراض لا تنتهي ، والمعاني لا تنفذ ، والناس لا يستطيعون أن يظلوا خرسا ، وهم يرون الأغراض تتجدد والمعاني تتولد ، والحضارة ترميهم كل يوم بمخترع ، والعلوم تطالبهم كل حين بمصطلح ، ولا علة لهذا الخرس إلا أن البدو المحصورين في حدود الزمان والمكان لم يتنبأوا بحدوث هذه الأشياء ، ولم يضعوا لها ما يناسبها من الأسماء.
نشأ من إنكار حق الوضع اللغوي على المولدين وحصره فيمن يعتد بعربيتهم من عرب الأمصار حتى آخر المائة الثانية ، أو أعراب البوادي حتى آخر المائة الرابعة ، أن طغت اللغة العامية طغيانا جارفا حصر اللغة الفصحى في طبقات العلماء والأدباء والشعراء والكتاب يكتبون بها للملوك ، ويؤلفون فيها للخاصة ، وسيطرت على حياة الأمة في شئونها العامة وأغراضها المختلفة ؛ لأن العامية حرة تنبو على القيد ، وطبيعية تنفر من الصنعة ، فهي تقبل من كل إنسان ، وتستمد من كل لغة ، وتصوغ على كل قياس. والناس في سبيل التفاهم يؤثرون السهل ، ويستعملون الشائع ، ويتناولون القريب. وتخلف اللغة عن مسايرة الزمن وملاءمة الحياة معناه الجمود. والنهاية