قرأت بخط عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرّحمن بن ماهان (١) في كتاب تاريخ اليمن تأليف الكشوري قال حدّثنا الحسن (٢) بن رشيق العسكري ، أنا أبو محمّد عبيد بن محمّد بن إبراهيم الكشوري ، حدّثني محمّد بن القاسم بن ثابت ، وكان من أفضل أهل صنعاء ، قال : ذكر علي بن أبي طالب النحوي صاحب الخليل بن أحمد العروضي ، قال :
لما هلك عمرو بن هند مالك العرب وفدت وفود العرب إلى كسرى تلتمس الملك ، وكان عدي بن زيد كاتب كسرى بالعربية ، ووفد فيهم النعمان بن المنذر ، وكان أحدثهم سنا ، فلما قدموا على كسرى [قام كل رجل منهم بخطبة يذكر شرفه وأفعاله وطاعة قومه له فقال لهم كسرى :](٣) انصرفوا إلى منازلكم حتى يخرج (٤) رأيي ، فلما انصرفوا قال لعدي : أيّ هؤلاء ترى أن أملّك؟ وكان النعمان صديقا لعدي من قبل أن كلاهما من أهل الحيرة ـ قال له عدي : أيها الملك كلّهم شريف محتمل ، ولكن فيهم فتى من أهل بيت ملك ، لا أراهم يرضون بملكه عليهم ، قال : وكيف ذاك لا يرضون بما أفعل؟ قال : من قبل أن أمه فارسية وهم يأنفون أن يملكهم ابن فارسية ، ولم تكن أم النعمان فارسية إنّما هي غسّانية ولكن عدي إنما أراد أن يكيد له للذي من الصداقة فأغضب كسرى وقال : ما عيبه عندهم إلّا أن أمه فارسية ، فإني لا أملك غيره ، فعقد له وملكه ، فلما فرغ ، قال النعمان لعدي : أخرج معي فأجعل الخاتم في يدك ، ويكون الأمر أمرك ، قال له عدي : إني أخاف إن فعلت أن يفطن كسرى لما صنعت ، ولكن أخرج وسوف ألحقك فكان كذلك ، فمكث بعده شيئا ثم لحقه ، فوفى له النعمان فجعل الخاتم في يده ، وكان الأمر أمره ، فمكث بذلك ما مكث ، وكان بنو بقيلة معادين لعدي ، فركب النعمان ذات يوم فقال له عدي : إنك ستمر ببني بقيلة ويعرضون عليك أن تنزل عندهم وتأكل طعامهم ، وأنت إن فعلت لم أقم معك ساعة وانصرفت إلى كسرى. فقال النعمان : فإني لا أدخل إليهم ولا آكل طعامهم فلما مر بهم تلقوه وقالوا : أيها الملك أكرمنا بنزولك (٥) إلينا ، ودخولك منزلنا ، فتأبى عليهم فقالوا : ننشدك (٦) الله أيها الملك أن تورثنا سبّة ما عشنا ، وعارا في الناس ، فلم يزالوا به حتى نزل إليهم وأكل من طعامهم ، فلما بلغ ذلك عديا انصرف إلى منزله فلما رجع النعمان قال : أين عدي؟ قالوا : ذهب إلى منزله قال : فادعوه. فأبى أن
__________________
(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٣٥.
(٢) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٢٨٠.
(٣) ما بين معكوفتين زيادة عن م للإيضاح.
(٤) عن م وبالأصل : خرج.
(٥) الأصل : بنزلك ، والمثبت عن م.
(٦) الأصل : «أنشدك» وفي م : فقال : أنشدك.