فما تركا من رقيّة تعلمانها |
|
ولا سلوة إلّا بها سقياني |
فقالا : شفاك الله والله ما لنا |
|
بما حمّلت منك الضلوع يدان |
قال : ثم شهق شهقة خفيفة ، فنظرت فإذا هو قد مات ، فقلت : أيتها العجوز ما أظن هذا النائم بفناء بيتك إلّا قد مات ، فقالت : نفسه والله نفسه ثلاث مرات ، فدخلني من ذلك ما لا يعلمه إلّا الله ، واغتممت وخفت أن يكون موته لكلامي ، فلما رأت العجوز جزعي قالت : هوّن عليك ، فإنّه قد مات بأجله واستراح مما كان فيه ، وقدم على رب غفور ، فهل لك في استكمال الأجر ، هذه الأبيات منك غير بعيد. تأتيهم ، فتنعاه لهم ، وتسألهم حضوره فاسترحت إلى قولها ، ووثبت فركبت فأتيت أبياتا منهم على قدر ميل ، فنعيته إليهم وحفظت الشعر ، فجعل الرجل بعد الرجل يسترجع إذا أخبرته ، فبينما أنا أدور إذا بامرأة كأنها الشمس طالعة ، فقالت : أيها الناعي بفيك الكثكث (١) ، بفيك الحجر ، من تنعي؟ قلت : عروة بن حزام ، قالت : بالذي أرسل محمّدا بالحق واصطفاه بالنبوة هل مات؟ قلت : نعم ، قالت : ما ذا فعل قبل موته؟ فأنشدتها الشعر ، فو الله ما نهنهت أن قالت (٢)
عداني (٣) أن أزورك يا خليلي |
|
معاشر كلهم واش حسود |
أشاعوا ما سمعت من الدواهي |
|
وعابونا وما فيهم رشيد |
فأما إذا ثوبت اليوم لحدا |
|
ودور الناس كلهم لحود |
فلا طابت لي الدنيا فواقا (٤) |
|
ولا لهم ولا أثري عديد (٥) |
ثم مضت معي ومع القوم تصيح وتولول حتى انتهينا إليه ، فغسّلناه وكفّناه وصلّينا عليه وقبرناه. فجاءت فأكبت على قبره.
وحركت مطيتي ، وقدمت الشام ، فدخلت على يزيد بن معاوية ، فدفعت الكتاب ، وأخبرته بالأمر الذي قدمت له : فسألني عن أمور الناس وقال لي : هل رأيت في طريقك شيئا تحدثني؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، رأيت عجبا من العجب. وحدثته الحديث ، فاستوى
__________________
(١) الكثكث : دقاق التراب وفتات الحجارة ، وقيل : التراب مع الحجارة.
(٢) الأبيات في عيون الأخبار ٤ / ١٢٩ ونهاية الأرب ٢ / ٢٠١ ط. دار الكتب المصرية.
(٣) عداني : صرفني وشغلني.
(٤) الفواق بالضم والفتح : قدر ما بين الحلبتين من الوقت.
(٥) في عيون الأخبار : العبيد.