جالسا ثمّ قال : يا محمّد بن قيس ، امض (١) الساعة ـ قبل أن تعرف ما قدمت له ـ إلى الموضع.
قال محمّد بن قيس : فمررت بموضع الحي ، فوجدت إلى جانبه قبرا آخر ، فسألت عنه ، فقيل : المرأة التي أكبّت على هذا القبر لم تذق طعاما ولا شرابا ، ولم ترفع إلّا ميّتة بعد ثلاث ، فجئت ببني عمّه وعمّها فأتيت بهم أمير المدينة ، وألحقتهم (٢) جميعا في شرف العطاء.
أنبأ (٣) أبو محمّد هبة الله بن أحمد المزكّي ، وعبد الله بن أحمد بن عمرو ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قراءة عليه ، أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمّي ، أنا أبو عبيد الله محمّد بن عمران بن موسى المرزباني الكاتب ، أنا عبد الله بن مالك النحوي (٤) ، أنا حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي (٥) عن أبيه ، عن لقيط بن بكير المحاربي.
أن عروة بن حزام بن ضبّة وعفراء ابنة مالك وهما من بطن من بني عذرة يقال لهم بنو هند ، وإنهما نشئا جميعا ، فعلقها علاقة الضبي ، وكان يتيما في حجر عمه حتى بلغ ، وكان عروة يسأله أن يزوجه إياها ، فكان يسوّفه إلى أن خرج في عير أهله إلى الشام ، وقدم على أبي عفراء ابن عمّ له من البلقاء ، وكان حاجا فخطبها فزوّجوه إيّاها ، فحملها ، وأقبل عروة في عيره تلك ، حتى إذا كان بتبوك نظر إلى رفقة مقبلة من نحو المدينة فيها امرأة على جمل أحمر ، فقال لأصحابه : والله لكأنها شمائل عفراء ، فقالوا له : ويحك ما تترك ذكر عفراء على حال من الحال ، فلما تبيّنها بقي مبهوتا لا يحير كلاما حتى بعد القوم فذلك قوله (٦) :
وإني لتعروني لذكراك روعة (٧) |
|
لها بين جلدي والعظام دبيب |
وما هو إلّا أن أراها فجاءة |
|
وأبهت حتى ما أكاد أجيب |
وأصرف (٨) عن رأيي الذي كنت أرتئي |
|
وأنسى الذي أعددت (٩) حين تغيب |
__________________
(١) الأصل : امضي ، والمثبت عن م وعيون الأخبار.
(٢) في عيون الأخبار : وأثبتّهم.
(٣) في م : أنبأنا.
(٤) أبو محمّد النحوي ، ترجمته في تاريخ بغداد ١٠ / ١٨٠.
(٥) الأصل : المصلى ، تصحيف ، والتصويب عن م ، ترجمته في تاريخ بغداد ٨ / ١٥٩.
(٦) الأبيات في الأغاني ٢٤ / ١٥٤ ـ ١٥٥ و ١٥٩ ـ ١٦٠ والشعر والشعراء ص ٣٩٥.
(٧) الأغاني : وإني لتغشاني لذكراك هزة.
(٨) الأغاني ٢٤ / ١٥٩ وأصدف.
(٩) الأغاني : أزمعت.