قرأت على أبي محمّد عبد الكريم بن حمزة ، عن أبي بكر أحمد بن علي ، أخبرني أبو الحسين علي بن أيوب الكاتب القمي ، أنا أبو عبيد الله محمّد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا محمّد بن أحمد الكاتب ، نا عبد الله بن أبي سعد الورّاق ، نا عمر بن شبّة ، حدّثني سعيد بن منصور الرّقّي ـ وكان أسن أهل الرّقّة ـ حدّثني عثمان بن عطاء الخراساني قال :
انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك ، فلما قربنا إذا شيخ أسود على حمار ، عليه قميص دريس (١) وجبة دنسة ، وقلنسوة لاطئة (٢) دنسة ، وركاباه (٣) من خشب ، فضحكت وقلت لأبي : من هذا الأعرابي؟ قال : اسكت هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبي رباح.
فلما قربت نزل أبي عن بغلته ونزل هو عن حماره ، فاعتنقا وتساءلا ، ثم عادا فركبا فانطلقا حتى وقفا بباب هشام ، فلما رجع أبي سألته ، فقلت : حدّثني ما كان منكما؟ قال : لما قيل لهشام : عطاء بن أبي رباح ، أذن له ، فو الله ما دخلت إلّا بسببه ، فلما رآه هشام قال : مرحبا مرحبا ، هاهنا ، هاهنا ، فرفعه حتى مسّت ركبته ركبته ، وعنده أشراف الناس يتحدثون ، فسكتوا ، فقال هشام : ما حاجتك يا أبا محمّد؟ قال : يا أمير المؤمنين أهل الحرمين أهل الله ، وجيران رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم ، قال : نعم ، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة ، ثم قال : هل من حاجة غيرها يا أبا محمّد؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب ، وقادة الإسلام ترد فيهم فضول صدقاتهم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام بأن تردّ فيهم صدقاتهم ، هل من حاجة غيرها يا أبا محمّد؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم ، ويقاتلون عدوكم قد أجريتم لهم أرزاقا تدرّها عليهم ، فإنهم إن هلكوا غزيتم قال : نعم ، اكتب ، تحمل أرزاقهم إليهم يا غلام ، هل من حاجة غيرها يا أبا محمّد؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ولا تتعتع كبارهم ولا يكلفون ما لا يطيقون ، فإن ما تجبونه معونة لكم على عدوكم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام بأن لا يحملوا ما لا يطيقون ، هل من حاجة غيرها؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، اتّق الله في نفسك ، فإن خلقت وحدك ، وتموت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، لا والله ما معك ممن نرى أحد.
__________________
(١) الدرس والدريس : الثوب الخلق (القاموس).
(٢) لطأ بالأرض : لصق (القاموس).
(٣) الركاب من السرج كالغرز من الرحل (القاموس).